العدد 1383 / 23-10-2019
قاسم قصير

فاجأ الحراك الشعبي في لبنان اعتراضا على اداء الحكم والحكومة خلال الايام الماضية ، جميع القوى السياسية والحزبية اللبنانية ، وتميز هذا الحراك بعفويته وحيويته وخروجه عن الانتماءات الطائفية والمذهبية والمناطقية، وكل ذلك جعله حالة جديدة وفريدة في الواقع السياسي اللبناني منذ عشرات السنوات.

ومن ضمن الذين تفاجأوا بما جرى في مختلف المناطق اللبنانية حركة امل وحزب الله ، خصوصا في مناطق الجنوب والبقاع ، وكان من اللافت جرأة المتظاهرين على رفع الانتقادات ضد الحزب والحركة ومواجهة كل المحاولات لمنعهم من التحرك او لحرف تحركهم عن اهدافه الحقيقية.

فكيف تعاطى حزب الله وحركة امل مع هذا الحراك الشعبي؟ والى اين تتجه الامور بعد اقرار الحكومة الورقة الاصلاحية؟ وهل سيتم استيعاب هذا التحرك ام تتجه الامور للمواجهة والتحدي؟

الحزب والحركة والحراك الشعبي

من خلال متابعة اداء حزب الله وحركة امل مع الحراك الشعبي المعارض للحكم والحكومة ، يمكن التأكيد ان الطرفين تفاجأ بهذا الحراك وحجمه وقوته وانتشاره السريع ، وقد عمد حزب الله سريعا لتبني بعض اهداف التحرك وخصوصا على صعيد المطالب الاقتصادية والاجتماعية والمالية، واعلن مسؤولو الحزب تجاوبهم ودعمهم لمطالب الناس بالغاء الضرائب المباشرة واتخاذ اجراءات عملية لمواجهة الازمة المالية، لكن قيادة الحزب وعلى رأسها الامين العام السيد حسن نصر الله رفضت الدعوات لاستقالة الحكومة او المجلس النيابي او رئيس الجمهورية ، ونشط الحزب من اجل لملمة الاوضاع ودعم الرئيس سعد الحريري واتخاذ الاجراءات المناسبة لمعالجة الوضع.

اما على صعيد حركة امل والرئيس نبيه بري فقد واجها وضعا اصعب ، خصوصا ان الانتقادات للرئيس بري وزوجته السيدة رندة بري ونواب الحركة كانت قاسية ومباشرة، وحاول بعض مناصري الحركة مواجهة المتظاهرين ومنعهم من التحرك ، لكن هذه المحاولات فشلت مما دفع قيادة الحركة للتبروء من عناصر الحركة الذين حاولوا مواجهة الحراك ، واعلنت قيادة الحركة دعمها لمطالب الناس والعملية الاصلاحية، ونشط الرئيس بري بعيدا عن الاضواء من اجل لملمة الاوضاع والوصول الى رؤية اصلاحية جديدة وحماية الحكومة من الاستقالة.

لكن الشيء الاهم في هذا الحراك الشعبي وخصوصا في مناطق البقاع والجنوب وبعض مناطق الضاحية الجنوبية انه كشف عن وجود حالة اعتراضية كبيرة في هذه المناطق وان هذه الحالة تجاوزت الحزب والحركة , وانها اصبحت حقيقة واقعية لا يمكن تجاوزها او مواجهتها او استيعابها بسهولة.

افاق المستقبل

لكن ماهي افاق المستقبل ؟ والى اين يتجه الحراك الشعبي ؟ وكيف سيتعاطى حزب الله وحركة امل معه؟

رغم اقرار الحكومة الورقة الاصلاحية فقد استمر الحراك الشعبي في معظم المناطق اللبنانية، ورفض المشاركون في الحراك هذه الحلول الجزئية ودعوا لاجراء تغيير شامل على مستوى الحكم والحكومة واجراء انتخابات نيابية مبكرة ومحاسبة كل الفاسدين ، لكن ليس من الواضح مدى قدرة هذا الحراك على الاستمرار لفترة طويلة وتحقيق كل الاهداف التي رفعها، وهناك توقعات ان تجري بعض التعديلات في الحكومة استجابة لمطالب الناس والعمل لاستيعاب الحراك عبر ضبط التحركات الشعبية ضمن حدود معينة ومنع قطع الطرقات او تخريب الممتلكات الخاصة والعامة.

اما في حال استمر الحراك الشعبي وتصاعدت هذه التحركات في كل المناطق فكيف سيتعاطى حزب الله وحركة امل وحلفاؤهم في الحكومة؟ وهل سيرضخون للمطالب ام سيعمدون للقيام بتحركات شعبية مضادة مع احتمال توتر الاوضاع الامنية والذهاب لمواجهات وتطورات لا يمكن السيطة عليها؟

حسب الاوساط المطلعة على اجواء قيادة الحزب والحركة فانهم يتفهمان مطالب الحراك الشعبي ويحرصان على التعاطي بمرونة مع ما يجري ، دون ان يعني ذلك عدم وجود بعض التصرفات المرفوضة من قبل مناصري الطرفين للاساءة الى المتظاهرين او الحراك ، وقد عمد الحزب والحركة لنفي مسؤولياتهم عن التظاهرة التي قام بها بعض انصارهما على الدراجات النارية في بيروت والتي كانت تهدف لمواجهة المتظاهرين وطلبوا من قيادة الجيش التعاطي بحزم مع هؤلاء.

لكن في الوقت نفسه فان الذهاب الى القيام بتحركات شعبية لدعم الحكومة او لتظهير القوة الشعبية للحزب والحركة وحلفائهم قد يكون احد الخيارات المطروحة في حال استمر الحراك ولم يتم السيطرة عليه او استيعابه من قبل الجهات المسؤولة او من خلال الاجراءات الحكومية، وهذا الامر اذا حصل سيضع البلاد امام انقسام شعبي كبير وقد يعرضها لاهتزازات سياسية وامنية.

وبانتظار وضوح الصورة ومعرفة افق الوضع في الايام المقبلة، فان ما يمكن قوله حتى هذه اللحظة ان هذا الحراك الشعبي العفوي فرض معادلات جديدة على الساحة السياسية والشعبية في كل المناطق اللبنانية ، واننا سنكون امام متغيرات جديدة في هذا الواقع في حال استمر هذا الحراك واتجهنا الى انتخابات نيابية مبكرة على اساس قانون جديد يساهم في بلورة قوى شعبية جديدة.

قاسم قصير