وائل نجم - كاتب وباحث

بدأت قيادة الجماعة الاسلامية في لبنان جولة على القيادات المسيحية في البلد، استهلتها بلقاء رئيس حزب الكتائب اللبنانية، النائب سامي الجميل، ثم رئيس «تكتل التغيير والإصلاح»، العماد ميشال عون، والرئيس السابق للجمهورية، العماد ميشال سليمان، ورئيس حزب القوات اللبنانية، الدكتور سمير جعجع، ومن المنتظر أن تستكمل خلال الأيام المقبلة بلقاء المزيد من القيادات المسيحية, على أن تتوج بزيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي. وقد أتت هذه الجولة في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة التي تعيشها البلاد، خاصة في ظل الفراغ في سدة الرئاسة الأولى، وتعطيل عمل الحكومة، والشلل الذي يصيب المجلس النيابي، فضلاً عن محاولات تعطيل الدولة بكافة مؤسساتها، فضلاً عن جلسات الحوار التي باتت تشكل شيئاً فشيئاً بديلاً لمؤسسات الدولة الدستورية، فضلاً عن كل الواقع المأزوم الذي تعيشه البلاد.
لقد تجاوزت الجماعة في هذه الجولة الكثير من التحفّظات التي كانت قائمة وضاغطة على علاقتها بالساحة والقيادات المسيحية، خاصة مع «تكتل التغيير والإصلاح» وبدرجة أقل مع «القوات اللبنانية»، وذلك على خلفيات تاريخية، كما في العلاقة مع القوات، علماً أن القوات اليوم تعتبر على مستوى الموقف السياسي تكاد تكون من أقرب القوى في موقفها من الجماعة، أو على خلفية مواقف تتخطى الاختلاف السياسي إلى ما هو أعمق وأبعد كما كان في بعض مواقف شخصيات من التيار الوطني الحر.
لقد حملت الجماعة في جولتها على القيادات المسيحية مسألتين أساسيتين تتصلان بمصير البلد ومستقبله، خاصة في ظل الفراغ المفروض على سدة الرئاسة الأولى من قوى سياسية تريد التعطيل، كما حملت إليها بعض الهواجس المشتركة بين الساحتين الاسلامية والمسيحية، التي يريد البعض لها أن تستمر من أجل تمرير مشاريع مشبوهة تستهدف البلد ومؤسساته بشكل عام.
لقد أكدت الجماعة الإسلامية خلال جولتها على الشراكة الحقيقة في البلد في إطار ما ضمنه وتعهده «اتفاق الطائف»، وفي إطار المؤسسات والمواعيد الدستورية، وشدّدت هنا على ضرورة ملء الفراغ الرئاسي من خلال انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وأسرع وقت، محمّلة القوى التي تخفي مشاريع مشبوهة لإطاحة النظام السياسي القائم، مسؤولية التعطيل الذي تحاول من خلاله تشكيل قناعة عند اللبنانيين بعدم صلاحية النظام القائم للمرحلة الحالية والمقبلة، وضرورة الخروج منه وعنه إلى نظام سياسي آخر تكون لها فيه الغلبة والقول الفصل، وأكدت الجماعة رفض ذلك، وتمسّكها بصيغة العيش المشترك التي ضمنها «اتفاق الطائف»، وإصرارها على قيام دولة المؤسسات بعيداً عن المحسوبيات الطائفية والمذهبية، وعلى سيادة الدولة فوق أراضيها وعلى قرارها السياسي، وحصرية امتلاك المؤسسات الشرعية للسلاح الذي يضمن أمن كافة اللبنانيين واستقرارهم، ورفضها أيضاً لتجاوز البعض لحدود السيادة وتخطيها إلى حالة المشاركة بالاعتداء على شعوب أخرى داخل حدودها، كما في الحالة السورية، ما يعرّض أمن لبنان والشعب اللبناني واستقرارهما للخطر، وضرورة وضع حد لكل هذه الأعمال. 
كما وحملت الجماعة الإسلامية إلى القيادات المسيحية بعض الهواجس التي تعيشها الساحة الاسلامية بشكل عام من خلال العمل الذي تقوم به بعض الأطراف اللبنانية، على المستويات الأمنية والاجتماعية والسياسية والاعلامية في محاولة «شيطنة» الساحة الاسلامية، وإظهارها بمظهر الساحة المؤيدة لـ «الارهاب» أو «العنف» أو «التكفير» أو ما سوى ذلك من المفردات التي تستخدم في تلك الغاية، والتي يأتي من جملتها محاولة «شيطنة» اللجوء السوري إلى لبنان، بهدف ضرب الصيغة اللبنانية القائمة على العيش المشترك، وبهدف توليد حالات قد تلجأ إلى العنف لتأكيد مقولة انتماء «الإرهاب»، إلى هذه الساحة، وبالتالي اتخاذ ذلك ذريعة لشنّ حرب أو مواجهة معها تكون بمثابة بطاقة عبور إلى علاقات مع الدول التي ترفع شعار محاربة «الإرهاب» علماً أن مثل هذه المحاولات عادة ما تكون على حساب اللبنانيين واستقرارهم ومستقبل بلدهم، وعادة ما يكون استغلالها في مصالح الدول الاقليمية والكبرى، وهي سياسة انتهجتها بعض الأنظمة في منطقة الشرق لتطبيع علاقاتها مع الغرب على مر العقود الماضية، وكانت تأتي دائماً على حساب الشعوب والأوطان الأخرى، وهو ما ترفضه الجماعة ولا تريده، حتى لا يتحوّل كل اللبنانيين إلى رهائن عند هذا المشروع الذي باسم محاربة «الإرهاب» سيعيد الناس إلى مظلة الانظمة الديكتاتورية المستبدة، وسيجعل من ذلك شمّاعة للهيمنة على السلطة والتفرد بالحكم، والزج بكل المعارضين لهذا النهج في غياهب النسيان. وقد أكدت الجماعة في جولتها رفض تلك المحاولات لـ«شيطنة» الساحة الاسلامية، وأكدت في المقابل حرص هذه الساحة على الشراكة الكاملة في البلد، وعلى الانفتاح والاعتدال والعيش الواحد. 
الجماعة في هذه الجولة على القيادات المسيحية تكون قد فتحت علاقة مباشرة مع القوى المسيحية وفقاً لما كان أمينها العام عزام الأيوبي قد وعد به عند انتخابه مطلع العام الجاري، وبذلك خرجت علاقاتها بهذه القوى من إطار الواسطة التي كان معمولاً بها سابقاً، وهو من جهة ما يبدد الكثير من الهواجس من خلال اللقاء المباشر، ومن جهة ثانية يحمّل الجماعة والأطراف المسيحية أيضاً مسؤولية جديدة في تشكيل ضمانة أخرى على المستوى الوطني، وبالتالي هل ستشكل هذه الجولة بداية عهد جديد من العلاقة الثابتة بين الساحتين الاسلامية والمسيحية أم ستكون مجرد جولة علاقات عامة سرعان ما تتبخّر الآمال التي يمكن أن تنعقد على مثل هذه العلاقات؟