قاسم قصير

لم تمضِ أيام قليلة على انتهاء الانتخابات النيابية والتراجع الكبير لتيار المستقبل فيها، حتى بدأت تبرز الانعكاسات الداخلية والتنظيمية على أوضاع التيار، من خلال سلسلة قرارات اتخذها رئيسه سعد الحريري عبر إقالة عدد من القياديين والمسؤولين والدعوة الى محاسبة كل المسؤولين عن النتائج التي حصدها التيار في الانتخابات.
وتزامنت تلك القرارات مع استقالة مستشار الرئيس الحريري ابن عمته نادر الحريري من منصبه. ورغم حرص بعض أوساط التيار على عدم الربط بين استقالة نادر الحريري ونتائج الانتخابات، فإن مصادر مطلعة على أجواء التيار «اعتبرت ان هناك ترابطاً بين الملفين»، وانتشرت أخبار ومعلومات عن تقديم الأمين العام للتيار أحمد الحريري استقالته من منصبه، لكن جرى نفي هذه الأخبار لاحقاً.
كل هذه المعطيات تؤكد الأزمة الكبيرة التي يعاني منها التيار حالياً والتي ستنعكس أيضاً على دور رئيسه ورئيس الحكومة الحالية سعد الحريري في المرحلة المقبلة.
فما هي الأبعاد الحقيقية للإجراءات والقرارات التي اتخذها الرئيس سعد الحريري على صعيد التيار؟ وماذا عن استقالة نادر الحريري؟ وما هو دور السعودية في هذه الاجراءات؟ وإلى أين يتجه التيار في المرحلة المقبلة؟
الأبعاد الحقيقية
بداية ما هي الأبعاد الحقيقية للقرارات التي اتخذها الرئيس سعد الحريري بإقالة عدد كبير من مسؤولي التيار والمسؤول عن الماكينة الانتخابية وسام الحريري، وإعفاء ماهر أبو الخدود (مدير مكتبه من منصبه)، كذلك استقالة نادر الحريري؟ وهل الأسباب انتخابية أم سياسية؟
أكد الرئيس سعد الحريري ومصادر «تيار المستقبل» «ان الاجراءات المتخذة لها علاقة بنتائج الانتخابات وتأتي في اطار حملة المحاسبة الداخلية، وأن لا علاقة لاستقالة نادر الحريري من منصبه بالانتخابات، وأن هناك اجراءات أخرى سيتم اتخاذها في الاطار نفسه من أجل معالجة الثغرات والمشاكل التي واجهها التيار في الانتخابات».
لكن مصادر سياسية وإعلامية من بيروت ربطت بين هذه الاجراءات وعدة معطيات سياسية ودبلوماسية ومنها:
1- ان هناك ضغوطاً سعودية على الرئيس سعد الحريري لإجراء تغيير في المجموعة المحيطة به، وذلك في ضوء كل ما حصل في الأشهر الماضية، ولا سيما خلال احتجازه في السعودية وبسبب الدور الذي لعبه نادر الحريري آنذاك.
2- ان هذه الاجراءات قد تطاول شخصيات أخرى في التيار أو في الكتلة النيابية والوزارية.
3- هناك تغييرات مستقبلية قد يشهدها أداء الرئيس سعد الحريري على صعيد العلاقة مع بقية القوى السياسية، ولا سيما الأطراف التي كانت ضمن قوى 14 آذار، وفي مقدمها القوات اللبنانية، وان التسوية التي كانت قائمة مع التيار الوطني الحر والوزير جبران باسيل قد تشهد بعض التعديلات في المرحلة المقبلة.
4- إن الخلل التنظيمي في «تيار المستقبل» لا علاقة له بالانتخابات النيابية فقط، بل يطاول كل بنية التيار التي شهدت أزمات عديدة في المرحلة الماضية وأن الأزمة تتعلق بالدور السياسي والشعبي للتيار في المرحلة المقبلة.
5- لا يمكن تحديد حجم الاجراءات وأبعاد ما جرى إلا بعد حسم الاستشارات النيابية المقبلة حول رئاسة الحكومة وتشكيل الحكومة الجديدة، لأنه من خلال ذلك ستتوضح صورة مستقبل التيار ورئيسه في المرحلة المقبلة.
تيار المستقبل إلى أين؟
لكن ماذا بعد هذه الاجراءات التنظيمية؟ وهل سينجح تيار المستقبل في استعادة موقعه السياسي والشعبي، أم ان هذا التراجع سيستمر بغضّ النظر عن الاجراءات المتخذة؟
تقول مصادر مطلعة على أجواء «تيار المستقبل»: «إن التيار قد خسر العديد من نقاط القوة التي كان يمتلكها عند تأسيسه بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومن هذه النقاط:
1- حالة التعاطف الشعبي الكبير بسبب عملية الاغتيال والدعم الكبير الذي تلقاه التيار طوال السنوات الماضية.
2- القدرة المالية التي كان يمتلكها والتي لعبت دوراً مهماً في المعارك السياسية والانتخابية طوال المرحلة الماضية.
3- الشعارات السياسية التي رفعها والتي أسهمت في استيعاب الحالة الشعبية سواء بعد اغتيال الرئيس الحريري أو خلال الأزمة السورية أو في مواجهة حزب الله.
4- تشكيل الاطار السياسي الواسع من قوى 14 آذار.
وأما اليوم فتعتبر المصادر «ان التيار يعاني من أزمة مالية مستمرة، ولم يعد هناك شعارات سياسية قادرة على جذب الجمهور، كما ان التحالفات التي يقيمها التيار لم تعد مبنية على أسس سياسية واضحة، إضافة إلى تراجع الدعم الخارجي ولا سيما من السعودية، وكل ذلك أدى إلى تراجع قدرة تيار المستقبل على اجتذاب الجمهور رغم التطور الكبير في أداء الرئيس سعد الحريري والجهد الذي بذله طوال الأشهر الماضية على صعيد العلاقة مع جماهير التيار ومناصريه في كل المناطق».
ويضاف إلى هذه الأسباب تغيير قانون الانتخابات واعتماد النسبية الذي افقد التيار الكثير من المقاعد، وهذا أمر طبيعي، ولم يعد هناك أُحادية حاسمة في قيادة الساحة السنّية كما كان الأمر عليه طوال السنوات الماضية، اضافة إلى خسارة عدد كبير من المقاعد المسيحية والشيعية.
وفي ضوء هذه المعطيات، فإن الاجراءات التنظيمية أو الاستقالات أو التغييرات في أداء التيار وفي فريق عمل الرئيس سعد الحريري قد تُسهم في امتصاص بعض النتائج السلبية في الانتخابات النيابية، لكنها لن تغير في واقع الحال وفي عودة «تيار المستقبل» الى ما كان عليه سابقاً، فالتنوع في الساحة السياسية أصبح محسوماً وموقع الرئيس سعد الحريري داخلياً وخارجياً لن يعود الى ما كان عليه، وإن كان «تيار المستقبل» سيبقى القوة الأبرز في الساحة السنية، كذلك فإن الحريري هو المرشح الأقوى لرئاسة الحكومة المقبلة، لكنه في المقابل سيواجه المزيد من العقبات والمشكلات التي لم تكن قائمة سابقاً.}