قاسم قصير

يعيش  «تيار المستقبل» وحزب الله منذ عدة سنوات «حالة من المساكنة الاضرارية بينهما»، فرغم الخلافات العديدة حول الملفات الخارجية ودور حزب الله في سوريا واليمن والعراق والمحكمة الدولية، فإنهما متفقان على إدارة شؤون لبنان الداخلية ومواجهة المجموعات الإرهابية والملفات الأمنية.
وقد أدى التوافق الداخلي بين التيار والحزب إلى تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام التي أدارت البلد خلال مرحلة الفراغ الرئاسي، ومن ثم دعم ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية وعودة الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة مجدداً.
وشكلت اللقاءات الثنائية، التي كانت تعقد بين وفدي التيار والحزب في عين التينة برعاية الرئيس  نبيه بري طوال السنوات الثلاثة الماضية، أداة التنسيق الدائمة بين الفريقين، ورغم أن مسؤولي الحزب والتيار كانوا يطلقون التصريحات النارية ضد بعضهما البعض وخصوصاً حول الملفات الخارجية، فإنهما كانا يتعاونان لضبط الأوضاع الأمنية في لبنان والعمل لاستيعاب تداعيات أية مشكلة تحصل في المناطق اللبنانية بين أنصارهما، وكذلك الاتفاق على إدارة الملفات الداخلية وصولاً إلى إقرار قانون الانتخابات وتمرير ملفات النفط والغاز.
فأين يلتقي التيار والحزب على الصعد الداخلية؟ وأين يختلفان؟ وما هي نظرتهما إلى المرحلة المقبلة؟
نقاط الاتفاق والخلاف
بداية، أين يتفق «تيار المستقبل» وحزب الله؟ وأين يختلفان؟
قيادي بارز في «تيار المستقبل» وخلال لقاء خاص له مع عدد من الكوادر الإسلاميين المقربين من حزب الله، تحدث عن نقاط الاتفاق والخلاف بين التيار والحزب ولما قاله: «اننا في «تيار المستقبل» اتخذنا قراراً واضحاً منذ عدة سنوات بأننا لا نريد العودة للحرب الأهلية في لبنان ونحن محكومون كلبنانيين بالتوافق الداخلي، وانه لا خيار لنا لمعالجة مشاكلنا الداخلية إلا عبر الحوار. وعندما وصلت الأزمة الرئاسية في لبنان الى ذروتها درسنا كل الخيارات المتاحة والاحتمالات المتوقعة ووجدنا انه لا يمكن معالجة هذه الأزمة إلا من خلال دعم أحد مرشحي 8 آذار فتبنينا بداية ترشيح النائب سليمان فرنجية، وعندما لم نصل الى نتيجة دعمنا العماد ميشال عون، وكانت اللقاءات الثنائية بيننا وبين الحزب برعاية الرئيس نبيه بري في عين التينة تشكل الاطار العملي لمعالجة المشاكل الداخلية وحماية الاستقرار الأمني واستيعاب الأجواء المذهبية والطائفية.
ويضيف القيادي البارز: «لبنان والمنطقة يعيشان منذ عدة سنوات حالة من الصراعات الطائفية والمذهبية، بدأت بالأوضاع في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين ومن ثم بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وصولاً إلى الأوضاع السورية وما يجري في عدد من الدول العبرية، وأدت هذه الأحداث الى بروز خلافات قوية بيننا وبين حزب الله بسبب الاختلاف في النظر للتطورات المختلفة، ودور الحزب المتصاعد في عدد من الدول العربية، والكل يعلم اننا والحزب لا نتفق على الرؤية الخارجية ونحن لا نوافق على دور الحزب ومواقفه ضد الدول العربية، ولا سيما السعودية، لكن رغم هذه الخلافات فإننا وجدنا أن من المصلحة لنا وللحزب وللبنان ان يحصل التوافق على إدارة شؤون البلد الداخلية وحماية الاستقرار الأمني ومنع انتقال هذه الصراعات الى الداخل اللبناني، وهذه الرؤية تحظى بموافقة إقليمية ودلية».
ويتابع القيادي: «نحن مع المقاومة في مواجهة العدوّ الإسرائيلي وإذا شنّت «إسرائيل» عدواناً جديداً على لبنان فسنكون إلى جانب المقاومة والجيش في مواجهتها، لكننا في الوقت نفسه ندعو لإعادة الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية والبحث في مستقبل سلاح حزب الله لأنه لا يمكن ان تستمر الأمور على ما هي عليه اليوم».
آفاق المرحلة المقبلة
لكن كيف ستكون العلاقة بين «تيار المستقبل» وحزب الله في المرحلة المقبلة؟ وما هي التحديات التي تواجهها على صعيد الانتخابات وإدارة الشأن الداخلي وما بعد نهاية الأزمة السورية؟
وحول هذه الأسئلة يجيب القيادي البارز في تيار المستقبل: «ان جميع الأحزاب أمام تحدٍّ كبير على صعيد الانتخابات النيابية في ظل قانون الانتخاب الجديد القائم على أساس النسبية والصوت التفضيلي، ونحن في «تيار المستقبل» نجحنا في تجاوز الاشكالات التي واجهتنا في السنوات الماضية بسبب غياب الرئيس سعد الحريري عن البلد والأوضاع المالية، وقد عززنا اليوم حضورنا السياسي والشعبي، ولكن أمامنا تحديات كبيرة في المرحلة المقبلة وهذا ما يواجهه حزب الله أيضاً».
ويضيف القيادي المستقبلي: «ان مواجهة التحديات المقبلة تستلزم ترشيح شخصيات قوية لها حضورها الشعبي وقادرة على التصدي لمشاكل الناس نظراً إلى الدور الكبير الذي سيلعبه المجتمع المدني في المرحلة المقبلة. كما اننا نستعد لمرحلة ما بعد انتهاء الأزمة السورية والدور الذي سيلعبه حزب الله مستقبلاً، فالحزب سيعود الى لبنان عاجلاً أو آجلاً ونحن من مسؤوليتنا ان نلاقيه، وهناك أسئلة عديدة ستطرح في المرحلة المقبلة حول دور الحزب ومستقبل النظام السياسي في لبنان وسلاح حزب الله».
ويتابع القيادي في التيار: «نحن نريد اقامة علاقات إيجابية مع كل دول المنطقة (إيران، مصر، العراق)، واستمرار التوازن في العلاقة مع دول الخليج، ولا نريد ان نتأثر بالأزمات الحاصلة، لكننا في الوقت نفسه نتبنى الموقف السعودي من هذه الأزمة لأننا جزء من محور سياسي يختلف عن المحور الذي يشارك فيه الحزب».
هذه المواقف التي تحدث عنها القيادي في «تيار المستقبل» تتلاقى مع المواقف التي يتبناها المسؤول في حزب الله سواء بشكل علني أو في اللقاءات الخاصة معهم، فهم في الوقت الذي يؤكدون فيه الاختلاف مع «تيار المستقبل» حول الملفات الخارجية، فإنهم يؤكدون «أهمية التعاون مع الرئيس سعد الحريري و«تيار المستقبل» في معالجة المشاكل الداخلية وحماية الاستقرار الأمني ومواجهة المجموعات الإرهابية».
ويؤكد مسؤولو الحزب «ان مرحلة حكومة الرئيس تمام سلام وحالياً حكومة الرئيس سعد الحريري تعتبر أفضل مرحلة في العلاقة مع «تيار المستقبل»، فقد تم تجاوز العديد من المشكلات الداخلية وجرت العودة الى المؤسسات الدستورية وإدارة شؤؤن الناس ومشاكلها».
لكن هل تستمر الأجواء الايجابية بين حزب الله و«تيار المستقبل»؟ وكيف ستكون عليه هذه العلاقة في ضوء المتغيرات في المنطقة وما يجري في سوريا؟ وهل سيتحالفان انتخابياً أم سيتواجهان في كل المناطق؟ هذا ما ستجيب عنه التطورات السياسية في المرحلة المقبلة.}
قاسم قصير