العدد 1382 / 16-10-2019
بسام غنوم

كان من المفترض ان يكون هذا الاسبوع اسبوع انجاز موازنة العام 2020 التي يجب انجازها من الناحية الدستورية من قبل الحكومة في 15 تشرين الأول 2019 ، وهذا الامر كان مطلوباﹰ بشدة من أجل توجيه رسالة الى المجتمع الدولي والجهات الدولية المانحة في مؤتمر سيدر أن لبنان ملتزم بالمهلة الدستورية لانجاز موازنة العام 2020 في موعدها الدستوري اولاﹰ ، وان موازنة العام 2020 سوف تحمل عناوين اصلاحية تستجيب لمطالبات الجهات الدولية بالاصلاح والشفافية في الموازنة ثانياﹰ .

لكن ما جرى ويجري من تفجيرات للخلافات بين اهل الحكم يؤكد ان مصلحة لبنان واللبنانيين هي في آخر اهتماماتهم ، فوزير الخارجية جبران باسيل بعدما تفرد يالدعوة الى احتضان النظام السوري في مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي عقد في القاهرة لمناقشة التدخل التركي في سوريا ، فجر مفاجأة سياسية كبرى بعد عودته الى بيروت , حيث أعلن في احتفال بذكرى 13 تشرين الأول 1990 عن قراره بالذهاب الى سوريا وقال "انني اريد ان اذهب الى سوريا لكي يعود الشعب السوري الى سوريا كما عاد جيشها" وخاطب رئيس الجمهورية ميشال عون بالقول "لا تنتظر طويلاﹰ وفي اليوم الذي تشعر فيه أنك لم تعد تستطيع أن تتحمل نطلب منك ان تضرب على الطاولة ونحن مستعدون لقلب الطاولة" . وقد أثارت هذه المواقف استغراب القوى السياسية المشاركة في الحكومة وخصوصا تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية لأنها جاءت اولا بعكس السياسة المتفق عليها في البيان الحكومي لناحية النأي بالنفس عن الخلافات العربية ، وكذلك فيما يتعلق بالعلاقة مع النظام السوري ، وثانيا لأن مواقف الوزير جبران باسيل لا مبرر لها في ظل حالة التردي الاقتصادي التي يعاني منها لبنان واللبنانيون ، وهو ما قد ينعكس سلبا على مواقف الجهات الدولية الداعمة للبنان .

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل تفجر الخلافات السياسية داخل الحكومة هو بمحض الصدفة ام ان ما يجري عمل مخطط له ؟

أثارت مواقف الوزير جبران باسيل في اجتماع الجامعة العربية ودعوته لاحتضان النظام السوري , ومن ثم دعوته الرئيس عون "لقلب الطاولة" الكثير من التساؤلات حول خلفياتها , خصوصاﹰ انها جاءت بعد اجتماع مطول استمر لمدة سبع ساعات ونصف بين السيد حسن نصر الله والوزير باسيل بحضور المسؤول الأمني في "حزب الله" وفيق صفا ، ورغم ان البيان الصادر عن الاجتماع او بالأحرى المعلومات المسربة تحدثت عن ان الاجتماع كان مخصصاﹰ لمعالجة الشأن الاقتصادي وتنشيط عمل الحكومة الا ان ماصدر عن باسيل في القاهرة ومن ثم في بيروت من مواقف حول العلاقة مع النظام السوري ، والتهديد بقلب الطاولة يؤكد ان ما جرى في الاجتماع بين نصر الله والوزير باسيل بحث اموراﹰ كثيرة لا علاقة لها من قريب او بعيد بالوضع الاقتصادي الذي يعاني منه اللبنانيون .

فالشيخ نعيم قاسم اشاد بالموقف الشجاع للوزير باسيل في القاهرة وقال : "ان كلمتكم يا معالي الوزير جبران ، جاءت في وقتها ، علها توقظ المخدرين بوعود السلطة والحماية الكاذبة" , وأضاف "كما حان الوقت لوقف حمام الدم والارهاب وموجة النزوح ، بسبب سياسات أميركا وحلفائها وعدوانهم على سوريا" ، وترافقت هذه المواقف مع تسريبات لجهات اعلامية مقربة من حزب الله ، تقول ان الحزب قرر التحرك ضد القطاع المصرفي بسبب التزامه العقوبات الأميركية عليه وعلى الجهات والاشخاص المقربين منه وان القرار اتخذ فعلاﹰ ، وان البحث يجري في آليات التحرك وسبله اما عبر تحركات في الشارع او عبر وسائل أخرى ، وكلنا يذكر استهداف ادارة بنك لبنان والمهجر في منطقة فردان في كانون الثاني 2016 بسبب التزامه بالعقوبات الاميركية ، ورغم التحقيقات بقي الفاعل مجهولاﹰ حتى الآن .

وهذا ما يؤكد ان تفجير الخلاف السياسي داخل وخارج مجلس الوزراء في خضم الجهود المبذولة من قبل الرئيس الحريري وغيره من القوى لمعالجة الشأن الاقتصادي هو عمل مخطط له وليس بمحض الصدفة ، فما يجري ليس وليد الساعته وليس مجرد مواقف حماسية بذكرى 13 تشرين الأول 1990 للوزير باسيل ، فبالنسبة للوزير باسيل فان هذه المواقف كما تجمع اغلب القوى السياسية هي بمثابة تقديم اوراق اعتماد رئاسية الى "حزب الله" والنظام السوري ، وافتعال الازمات والتهديد "بقلب الطاولة" محاولة مكشوفة لتبرئة العهد والتيار الوطني الحر من المسؤولية فيما يتعلق بالأزمة الاقتصادية والمالية ، ومحاولة مكشوفة لالقاء التهمة على الآخرين .

باختصار ، هناك فريق من اللبنانيين مختص بافتعال الازمات التي تخدم مصالحه على حساب حياة اللبنانيين ومستقبل اولادهم ، وهذا الفريق للأسف يمسك بالسلطة والآخرون عاجزون عن مواجهته ، فأي مستقبل ينتظر لبنان واللبنانيين ؟

بسام غنومألأ