بسام غنوم

«ما في شي بالبلد ماشي» هذا باختصار ما يمكن قوله في الوضع العام اللبناني. ففيما كانت تداعيات لقاء الوزير جبران باسيل مع وزير خارجية النظام السوري آخذة بالتفاعل على المستوى السياسي والشعبي، لأنها جاءت خارج سياق التسوية السياسية التي اتفق عليها بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، ومخالفة للبيان الوزاري الذي نص على النأي بالنفس عن الشأن السوري، جاء قرار المجلس الدستوري بإبطال قانون الضرائب الذي أقره المجلس النيابي لتمويل سلسلة الرتب والرواتب، وهو كان بمثابة الصاعقة التي ضربت رأس الحكومة التي كانت تعوّل على قرار للمجلس الدستوري لا يبطل قانون الضرائب، بل يطلب تعديلات جزئية على القانون، وهو ما لا يمنع الحكومة من السير في تطبيق سلسلة الرتب والرواتب بعيداً عن الاعتراضات النيابية والشعبية على قراراتها الحكومية.
وقد أدى هذان الأمران، لقاء باسيل - المعلم وإبطال قانون الضرائب، الى اهتزاز الوضع الحكومي أولاً، والتسوية السياسية القائمة بين الرئيسين عون والحريري ثانياً، وعودة السجالات حول العلاقة مع النظام السوري ثالثاً، وقبل ذلك كله انكشاف البلد على خلافات سياسية واجتماعية يمكن ان تهدد الأمن والاستقرار القائم في لبنان إذا استمرت حالة التشرذم والصراع بين الرؤساء في التفاعل على خلفية الملفات السياسية والاقتصادية، وخصوصاً في ظل التجاذب القائم حول تطبيق قانون الانتخابات النيابية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لمصلحة من تفجير الخلافات السياسية داخل الحكومة، وهل ذلك مرتبط بالانتخابات النيابية، وبالوضع الحالي في سوريا؟
البداية من اللقاء المفاجأة بين الوزير جبران باسيل ووزير خارجية النظام السوري وليد المعلم على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك والذي جاء بطلب من وزير الخارجية جبران باسيل.
فقد شكل هذا اللقاء صدمة على المستوى السياسي وأحدث اهتزازاً للوضع الحكومي في وقت يحتاج فيه لبنان الى مزيد من الاستقرار، وخصوصاً على الصعيد الحكومي في ظل الخلاف القائم حول تطبيق قانون الانتخابات النيابية.
فقد جاء لقاء باسيل مع وزير خارجية النظام السوري من خارج السياق السياسي للتسوية السياسية القائمة في البلد، وفي مخالفة واضحة للبيان الوزاري الذي ينص على النأي بلبنان عن الأزمة في سوريا.
وقد كشفت نتائج لقاء المعلم - باسيل أن لها أهدافاً داخلية وخارجية، فعلى الصعيد الداخلي أراد الوزير باسيل توجيه رسالة شعبوية الى الساحة المسيحية بأنه يحمل هم حماية الوجود المسيحي في لبنان والمنطقة عبر دعوته الى عودة النازحين السوريين الى بلادهم، وقال رداً على الاعتراضات على لقائه مع وزير خارجية النظام السوري ان «أي لقاء فردي أو ثنائي أو جماعي نقوم به يكون لمصلحة لبنان، وإن من يعتدي على مصلحة لبنان هو من يرفض إخراج النازحين منه».
ويكشف هذا الموقف للوزير باسيل انه مستعد للتصرف خارج السياق الحكومي، وخارج التوافق السياسي في سبيل تأمين مصلحة سياسية وطائفية، ولو أدى ذلك الى اهتزاز الوضع الحكومي، وإلى انفراط عقد التسوية السياسية على اعتبار ان مواقفه ولقاءاته انما هي لـ«مصلحة لبنان».
هذا الموقف للوزير باسيل كان محل اعتراض من وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي أشار الى أن «التسوية السياسية التي أقدمنا عليها كان هدفها حفظ البلد واستقراره الأمني والسياسي والاقتصادي» وأضاف مؤكداً: «إننا لم نوقع تنازلاً على أي من ثوابت الدستور والطائف»، مشدداً على «أن هذا الأمر لن نقبل به في أي ظرف من الظروف ولن يمر بسهولة وهذا خط أحمر لا يمكن تجاوزه».
لكن هل كانت خطوة لقاء باسيل - المعلم بعيدة عن الرئيس ميشال عون؟
يكشف موقف العماد عون خلال زيارته لباريس ولقائه الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون ان موقفه ليس بعيداً عن موقف الوزير باسيل، فقد قال بعد كلمة الرئيس الفرنسي ماكرون الذي دعا الى «الحفاظ على سياسة النأي بالنفس إزاء النزاعات» وقال: «اننا في حاجة الى حل سياسي (في سوريا) لكي نتمكن من حل مسألة النازحين».
قال الرئيس عون ان «مؤشرات الحل السلمي في سوريا بدأت تلوح في الأفق» وطالب بتنظيم عودة النازحين السوريين الى بلادهم «حالاً، خصوصاً ان معظم المناطق في بلادهم أصبحت آمنة».
وهذا الموقف للرئيس عون المتبني موقف الوزير باسيل يزيد الأمور تعقيداً على المستوى الحكومي، ويضع الرئيس سعد الحريري في موقف حرج، وخصوصاً في ما يتعلق بالتسوية السياسية مع العماد عون، وأيضاً في الوضع الحكومي، إذ يبدو أن الغالبية الحكومية باستثناء تيار المستقبل والقوات اللبنانية هي مع تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وهذا التطبيع يبدو انه يتخذ مسارات وعناوين مختلفة مثل الوضع الاقتصادي الذي تولاه الوزيران غازي زعيتر وحسين الحاج حسن، ومسار شعبوي طائفي يتعلق بحماية الوجود المسيحي في لبنان من «خطر النازحين السوريين»، وهذا يحمله التيار الوطني الحر برئاسة الوزير جبران باسيل، وذلك كله مرتبط بالانتخابات النيابية القادمة التي يبدو ان الهدف منها هو إحداث انقلاب سياسي على صعيد الوضع العام في لبنان، بما يجعل لبنان جزءاً من «محور الممانعة» الذي يضم سوريا وإيران، وإلا فما معنى الإيغال في محاولات التهميش السياسي للرئيس سعد الحريري ولموقع رئاسة الحكومة؟
باختصار، البلد مأزوم بفعل التجاذب السياسي الذي يربك الحكومة أولاً، وبسبب سياسة فرض الأمر الواقع التي يمارسها «حزب الله» والتيار الوطني الحر ثانياً. فهل يقف الرئيس الحريري في وجه هذه التحديات، أم يرضخ للأمر الواقع تحت شعار «حماية الأمن والاستقرار» في البلد؟}