بسام غنوم

دخلت عملية تشكيل الحكومة في مسار جديد يغلب عليه التشاؤم ، بعدما كان التفاؤل هو السمة البارزة للاسبوع الماضي ، وبعدما كان يقال ان كلمة السر وصلت الى القوى اللبنانية الفاعلة ، وهو ما ادى الى "حل سحري" للعقدة السنيّة ، تبيّن ان العقدة الداخلية هي الاساس في الخلافات التي تؤخر تشكيل الحكومة طيلة السبعة أشهر الماضية حيث ان كل فريق يبحث عن حصته الوزارية ونوعيّه حقائبه السيادية وغير السيادية للقبول بالمشاركة في الحكومة العتيدة . وأكثر من ذلك فقد تبيّن ان اموال سيدر المتوقع وصولها الى لبنان بعد تشكيل الحكومة الجديدة هي احد ابرز العوامل في عملية تشكيل الحكومة وبرز ذلك بكل وضوح في الخلاف حول حقيبة البيئة التي كان الجميع في السابق يرفضها لأنها كانت "وزارة الزبالة" كما قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ،لكن بعد تخصيص مؤتمر سيدرا مبلغ مليار و 400 ملون دولار لهذه الوزارة المنبوذة اصبح الصراع عليها أحد اسباب الرئيسية التي تعيق تشكيل الحكومة بالاضافة الى الاسباب الاخرى المتعلقة بعدد الحقائب الوزارية ونوعيتها وطبيعة التمثيل الطائفي لهذا الفريق او ذاك .

وهنا يطرح السؤال التالي : هل أصبح تشيكل الحكومة أسير الخلاف على التمثيل الطائفي للوزارات يالاضافة الى الوزارات الدسمة ؟

كشفت التطورات الأخيرة في المشاورات الجارية لتشكيل الحكومة ان العامل الاساسي الذي يعيق التأليف داخلي بالدرجة الأولى ، وأن رمي التأخير على ما يجري في الاقليم من صراعات بين الدول ولا سيما بين ايران والسعودية سواء في اليمن وسوريا وغيرها من المناطق ، هو مجرد شائعة لتعليق الخلافات الداخلية بين مختلف الفرقاء على الموضوع الاقليمي المتفجر في المنطقة ، ففي الأسبوع الماضي بعد موجة التفاؤل الكبيرة بقرب تشكيل الحكومة ، التي قيل وقتها أنها ستكون بمثابة عيدية للبنانيين قبل الأعياد ، قبل ان حل العقدة السنية انما تم بعد الانفراج في الموضوع اليمني ، الذي اثمر اتفاقاﹰ على وقف لاطلاق النار في الحديدة وبعض المناطق اليمنية .

لكن بعد تعثر الوصول الى اتفاق على اعلان تشكيل الحكومة العتيدة الذي كان متوقعاﹰ يوم الأحد الماضي على أبعد تقدير ، تكشف ان العامل الاساسي داخلي بنسبة أكثر من تسعين في المائة .

فالوزير جبران باسيل كان يريد الحصول على "الثلث المعطل" في الحكومة عبر الوزير السني جواد عدره ، الذي كان من المفترض ان يمثل "اللقاء التشاوري" الذي يمثل النواب السنة في فريق 8 آذار ، وأكثر من ذلك اعاد الوزير باسيل خلط الأوراق في التشكيلة الحكومية المتفق عليها عبر مطالبته بوزارة البيئة الذي هي من حصة حركة أمل ، وهو ما رفضه الرئيس نبيه بري بشدّة معتبراﹰ أنه والفريق الشيعي تنازلوا كثيراﹰ من حصتهم لانجاز الحكومة ، فلماذا الآن يعاد فتح موضوع الحقائب والحصص الوزارية بعد أن كان اتفق عليه سابقاﹰ ؟

يبدو ان موضوع وزارة البيئة مرتبط بالاموال التي سيحصل عليها لبنان من مؤتمر سيدرا ، وبالتالي فالوزارة اصبحت مهمة ودسمة ، لذلك يطالب بها الوزير باسيل .

ولم تقتصر مطالب باسيل على وزارة البيئة فقط فهو يريد الحصول على وزير ماروني من حصّة "القوات اللبنانية" وهو ما ترفضه بشدّة ، ويريد سحب وزارة الصناعة من الحصة الدرزية ، وبذلك قلب الأمور رأساﹰ على عقب ، وهو ما دفع "اللقاء التشاوري" الى الاعلان عن سحب اسم جواد عدره ، والى توتر العلاقات مجدداﹰ مع الرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط ، وربما هذا ما دفع الرئيس سعد الحريري الى القول على تويتر تعليقاﹰ على الوضع الذي آلت اليه الأمور "اعتصم بالصمت لعل الآخرون يسمعون" ، وكشف القيادي في تيار المستقبل مصطفى علوش ان الوزير باسيل هو الذي يعيق تشكيل الحكومة بمواقفه ومطالبه المتغيرة والمتعددة ، وهو نفس الموقف الذي نقلته صحيفة "الشرق الاوسط" عن مصادر وزارية في فريق 8 آذار التي قالت ان " العقدة المخفية هي العقدة الباسيلية التي تعرقل تشكيل الحكومة في كل المراحل ، من "العقدة المسيحية" الى "العقدة الدرزية" والآن "العقدة السنيّة" .

باختصار، الحسابات الشخصية والمصالح السياسية الضيقة هي السبب الرئيسي في عملية العرقلة الجارية في تشكيل الحكومة الجديدة. فهل على اللبنانيين ان يعيشوا في ظل هذا الوضع الى نهاية عهد الرئيس ميشال عون ؟

بسام غنوم