بسام عنوم

احتفل اللبنانيون بعيد الاستقلال هذه السنة بوجود رئيس للجمهورية بعد فراغ رئاسي استمر أكثر من سنتين، إلا ان انطلاقة العهد الجديد برئاسة العماد ميشال عون كان يمكن ان تحمل أخباراً سارة إلى اللبنانيين، خاصة أن انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية جاء بعد توافق سياسي بين كل أطياف الساحة اللبنانية.
لكن يبدو أن الأزمات التي كان يعيشها اللبنانيون خلال فترة الفراغ الرئاسي سوف تستمر بأشكال أخرى بعد انتخاب رئيس الجمهورية، فالتشكيلة الحكومية الجديدة التي وعد الرئيس المكلف سعد الحريري اللبنانيين إنجازها قبيل عيد الاستقلال لتكون بشرى خير الى اللبنانيين أولاً، ورسالة ايجابية الى المجتمع الدولي ثانياً، لم تُنجَز حتى الآن، والعقبات التي تحول دون تشكيل الحكومة لم تعد مقتصرة فقط على الحقائب الوزارية التي يطالب بها هذا الفريق أو ذاك، بل تحولت الى صراع إرادات ورسائل سياسية ومذهبية الى العهد الجديد، وقد أشار الى ذلك رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بالقول: «المشكلة ليست مشكلة حقائب بالنسبة الى العراقيل التي توضع في وجه تأليف الحكومة، بل إنها مشكلة التعامل مع عهد جديد».
في ظل هذه المعطيات يطرح السؤال التالي: ما هي العقبات التي تعوق تشكيل الحكومة، وهل الخلاف القائم أبعد من قضية هذه الحقيبة الوزارية أو تلك؟
قبل الحديث عن العقبات التي تعوق الوصول إلى التشكيلة الحكومية المنشودة لا بدّ من التوقف أولاً عند «الرسائل» المتعددة الأشكال الى العهد الجديد التي تحدث عنها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. أولى هذه الرسائل كانت رسالة الاستعراض العسكري لـ«حزب الله» في القصير، الذي جاء بعد موقف العماد عون في خطاب القسم والذي دعا فيه إلى تحييد لبنان عن الصراعات في المنطقة، وتلا ذلك «العرض الرياضي» لما يسمى «سرايا التوحيد» للوزير السابق وئام وهاب، التي تأجل إعلانها إلى ما بعد انتخاب رئيس للجمهورية، مع العلم أن وئام وهاب كان قد أعلن قبل استعراض سراياه مقتل سبعة من عناصر «حزب التوحيد» في سوريا أثناء قتالهم الى جانب النظام السوري.
هذه الرسالة الأمنية التي وجهها «حزب الله» مباشرة الى العهد الجديد، أو بطريقة غير مباشرة عبر سرايا وئام وهاب، تظهر بصورة لا لبس فيها أن على العهد أن يتعامل مع الوجود العسكري الميليشيوي في لبنان، وفي حركاته الإقليمية والدولية بعيداً عن منطق سيادة الدولة، وعن أنه لا سلاح إلا سلاح الجيش اللبناني كما ينص اتفاق الطائف، وبالتالي فهذه الاستعراضات العسكرية الهدف الأساسي لها هو تحجيم العهد الجديد أمنياً، وايصال رسالة الى مختلف الفرقاء اللبنانيين، أن سلاح «حزب الله» وسراياه المتعددة فوق القانون.
أما الرسالة الثانية فهي رسالة سياسية يتولاها الرئيس نبيه بري، وفي هذا الإطار يعتبر تكليف حزب الله عبر أمينه العام السيد حسن نصر الله الرئيس بري التفاوض على الحصة الشيعية مع العهد الجديد أولى الرسائل السلبية. فحزب الله يعلم قبل انتخاب العماد عون أن هناك نفوراً متبادلاً بين الرئيسين بري وعون، وأن الرئيس بري لا يريد العماد عون رئيساً للجمهورية، وأن كتلة الرئيس بري صوتت ضد العماد عون في جلسة انتخاب الرئيس، وإن كان ذلك عبر التصويت بورقة بيضاء، ومع ذلك فقد فوض «حزب الله» إلى الرئيس بري التفاوض مع الرئيس سعد الحريري والعماد عون حول الحصة الشيعية في الحكومة.
فهل أراد حزب الله من هذا التفويض أن على العماد عون ان يتذكر دائماً أن لحزب الله الفضل الأكبر بوصوله إلى رئاسة الجمهورية، وأنه كما أوصله الى الرئاسة فهو قادر على تحجيمه سياسياً إذا حاول السير بسياسات تتعارض مع توجهات الحزب، أو أنه أراد أن يقول للعماد عون إن شعار الرئيس القوي الذي يتحدث عنه الوزير جبران باسيل ونواب التيار الوطني الحر لا ينطبق بأي حال من الأحوال على حزب الله وحركة أمل والطائفة الشيعية.
هذه الخلاصات يمكن قراءتها من خلال المواقف التي يطلقها الرئيس بري الذي قال: «لن يحكمنا أحد في الحكومة»، ومن الردود على الرئيس عون والبطريرك الراعي التي أطلقها رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الشيخ عبد الأمير قبلان، الذي أعاد التذكير بالمظالم التي كانت تقع في السابق على الطائفة الشيعية، ولذلك فقد رأى سمير جعجع أن الرسائل المتعددة الشكل تزاحمت الى العهد الجديد بهدف تحجيمه، وما يحصل على مستوى تأليف الحكومة هو إحدى الرسائل.
أما بالنسبة الى العوائق التي تؤخر تشكيل الحكومة، فهي تبدو شكلية وإن كان يراد اعطاؤها أشكالاً أخرى. فالرئيس سعد الحريري استجاب لكل مطالب الرئيس بري بخصوص الحصة الشيعية، لكن الرئيس بري يريد أن يتدخل في حصة النائب سليمان فرنجية والنائب وليد جنبلاط، وكرر الرئيس بري أنه لن يشارك في حكومة من دون النائبين سليمان فرنجية ووليد جنبلاط، مع العلم أن الرئيس سعد الحريري لم يستبعدهما، لكنه عرض عليهما حقائب التربية والشؤون الاجتماعية، وكلتا الوزارتين لا يريدها جنبلاط وفرنجية.
ويبدو ان الخلاف حول الحقائب الوزارية هو أبعد من ذلك، وقد عبّر الرئيس بري عن هذا الموقف بالقول: «وقد يكون الهدف الأبعد هو الإبقاء على قانون الستين»، وذلك في معرض رده على الرئيس الحريري الذي قال من قصر بعبدا رداً على سؤال من يعرقل تأليف الحكومة: «من يعرقل معروف».
باختصار، تشكيل الحكومة يمر في صراع ارادات عبر رسائل سياسية وأمنية يطلقها هذا الفريق أو ذاك، لا سيما «حزب الله» الذي يريد ان يقول للجميع «إن الأمر لي».