وائل نجم

  أنهى الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، سعد الحريري، استشاراته غير الملزمة لتشكيل الحكومة بعد أن استمع إلى مطالب الكتل النيابية والنواب المستقلين، وقد كانت هذه المطالب برمتها عالية السقف، وكثيرة ومتشعبة وتفتقر إلى الواقعية والموضوعية وحس المسؤولية في تقديم مصلحة البلد على المصالح الفئوية والحزبية وحتى الشخصية الضيقة في وقت يعاني فيه لبنان من أزمات على مختلف المستويات، ويعيش في محيط ملتهب قد تنفجر الأوضاع فيه في أية لحظة، وهو بالطبع ما يحتاج إلى مقاربات مسؤولة في ملف تأليف الحكومة.
بادئ ذي بدء لا بدّ من التذكير بأن الاستشارات النيابية التي أجراها الرئيس المكلف ليست ملزمة له أثناء تقديم تشكيلته الحكومية، ولكن لا بدّ من توضيح مسألة، وهي أن الرئيس المكلف لا يملك أغلبية مطلقة في المجلس النيابي تخوّله الاستغناء عن الكتل النيابية، وبالتالي فهو محكوم لها حتى يتمكن من نيل ثقة أغلبية أعضاء المجلس النيابي، فضلاً عن أن الظرف السياسي الذي نعيشه يدعو إلى تشكيل حكومة موسعة تتمثل فيها كل الأطراف المشاركة في المجلس النيابي، وبالتالي فإن ذلك يعقّد المهمة أكثر بكثير من مسألة تشكيل حكومة منسجمة ولو بأغلبية طفيفة في المجلس.
من هنا تبرز حاجة الرئيس المكلف إلى إشراك القوى السياسية التي لها كتل نيابية وازنة في الحكومة حتى يحظى بثقة نوابها في المجلس، وإلا فإنه قد يكون أمام امتحان عدم نيل الثقة، ولذلك تلعب القوى السياسية دوراً مؤثراً في عملية تشكيل الحكومة من خلال فرض شروطها على الرئيس المكلّف، وهذا يعكس في الحقيقة الأزمة في بنية النظام السياسي القائم على التوافق وعلى ما يُسمّى «الميثاقية»، حتى إن مكوّنات صغيرة في البلد باتت تطالب بتمثيلها في الحكومة، وهو كما قلنا يعكس ضعفاً وخللاً في بنية النظام السياسي.
الأصل في الأنظمة الديمقراطية البرلمانية أن يكلّف رئيس أكبر كتلة نيابية بتشكيل الحكومة، وله أن يتواصل مع القوى السياسية والكتل النيابية والتفاوض معها وصولاً إلى أي اتفاق مع أية كتلة أو مجموعة كتل لتحقيق الأغلبية المطلقة في المجلس النيابي لضمان ثقة المجلس للحكومة، وبذلك تنطلق الحكومة وتعمل وتتحوّل القوى والكتل التي لم تشارك فيها إلى معارضة تراقبها وتحاسبها على أي خلل أو تقصير أو تجاوز للقانون، وبذلك تُحمى مصالح المواطنين، ويكون مبدأ المحاسبة هو الأساس، وبالمناسبة هو أول خطوة جدّية في ملف مكافحة الفساد إذا كانت القوى السياسية جميعها جادة في هذا الموضوع.
ما يجري اليوم يختلف جذرياً عن قواعد الديمقراطية البرلمانية، وهو نوع من التجاوز المفضوح والمكشوف لهذه الأسس، ويعكس حجم القوى الفعلية على الأرض إذ إن بعض القوى بإمكانها إفساد كل الحياة السياسية، وضربها، بل وضرب البلد إذا لم تكن الأمور على مزاجها ووفق أهوائها السياسية. إذاً، نحن في الحقيقة لسنا أمام نظام ديمقراطي برلماني. نحن أمام «بلطجة» تفرض ما تريد، وتفسد ما تريد.
صلاحية تأليف الحكومة حصراً بالرئيس المكلف، وليس لأي طرف آخر، أو شخصية أخرى في النظام الحق في التدخل في عملية التأليف. لكل كتلة نيابية أو قوة سياسية أن تطلب وترفع ما تريد من الشروط والمطالب لدخول الحكومة وإعطاء أصوات نوابها إلى الحكومة المؤلّفة، ولكن عندما يتجاوزها الرئيس المكلف ويتمكن من الحصول على ثقة أغلبية النواب لأية تشكيلة يتقدّم بها، فليس من حق أي طرف أو جهة أن يفسد هذا الأمر، بل يمكنه أن يتحوّل إلى معارضة تراقب وتحاسب الحكومة على كل شاردة وواردة وعلى كل تفصيل، وبذلك يفعّل العمل وتجري الأمور.
كما ليس لأي طرف أو شخصية في النظام الحق في حقائب وزارية خاصة أو عامة، فهذا من اختصاص الرئيس المكلّف، والحديث عن حصة وزارية لرئيس الجمهورية، في الحقيقة، حديث خارج إطار المألوف ديمقراطياً أو في أعراف الأنظمة البرلمانية، فالرئيس هو الحكم بين المؤسسات، وهو لكل المواطنين. كذلك إن الحديث عن حصة لرئيس الحكومة أمر مرفوض، فالحكومة بمجملها هي حكومته، وهو المسؤول الأول عن سياستها وعن أدائها، فلا يجوز القول إن بعض الوزراء حصته وبعض الوزراء الآخرين ليس لهم به علاقة.
هذه الأمور هي صلاحيات الرئيس المكلّف حصراً، حتى لو كان الحديث يجري على حكومة موسّعة، أو حكومة وحدة وطنية، وبالتالي فهو المسؤول عن ذلك أمام الرأي العام وأمام مواطنيه، ولا يجوز بأي حال من الأحوال التنازل عن هذه الصلاحيات، أو هذه الحقوق تحت أي ظرف أو تأثير، وإلا فإن الرئيس المكلّف عند ذلك يكون قد ارتكب مخالفة تضاف إلى ما يُحكى عن تنازلات تؤثر في بنية البلد، وفي بنية نظامه السياسي، ولا يمكن أن تنتج حلولاً منطقة وواقعية، بقدر ما تؤسس لإشكالات قد تنفجر في أية لحظة في المستقبل.}