بسام غنوم

مع انتهاء الانتخابات النيابية، وبعد ما أفرزته من نتائج على الأرض، ولا سيما لناحية إعادة توزيع المقاعد بين القوى السياسية الكبرى في البلد، تتجه الأنظار نحو تشكيل الحكومة الجديدة وما يمكن ان يحمله هذا الاستحقاق المهم في ضوء الخريطة السياسية الجديدة التي أصبح عليها المجلس النيابي الجديد.
وإذا كان البعض يقف عند موضوع تشكيل الحكومة الجديدة باعتباره أول التحديات التي تواجه لبنان بعد الانتخابات، فإن الأجواء السياسية تبدو منفتحة جداً على إنجاز هذا الاستحقاق في أسرع وقت ممكن من أجل مواجهة التحديات الكثيرة التي يواجهها لبنان في هذه الفترة، سواء على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الخارجي. وفي هذا الإطار كان هناك موقف لافت لـ«حزب الله» عبّر عنه السيد حسن نصر الله بالقول: «المصلحة أن نتعاون جميعاً لتشكيل حكومة دون أي تأخير. جو البلد جو تعاون وتوافق وتفاهم، ولا أحد يأخذ البلد إلى صراعات، لأننا نرى المنطقة حولنا، والمطلوب روح التعاون والوعي والنظرة إلى الوضع الداخلي».
وتنسحب أجواء التفاهم والتوافق حول الوضع الحكومي والحكومة الجديدة التي أشار إليها نصر الله على كل القوى السياسية في البلد، حيث تكشف حركة المشاورات والاتصالات التي يقوم بها الرئيس سعد الحريري باتجاه الرئيسين عون وبري أن الأمور بالنسبة إلى الوضع الحكومي شبه منجزة لناحية سرعة تشكيل الحكومة الجديدة.
في ضوء هذا الواقع يمكن السؤال عن ماهية التحديات التي تواجه لبنان بعد الانتخابات النيابية التي جرت في السادس من شهر أيار الجاري؟
هناك جملة من التحديات تواجه لبنان في هذه الفترة على الصعيدين الداخلي والخارجي، منها:
أولاً: تشكيل الحكومة الجديدة والاتفاق على البيان الوزاري.
في هذا الإطار تبدو الأمور تسير نحو الإسراع في تشكيل حكومة جديدة منسجمة في مواقفها من كل القضايا المطروحة، ولكن في ظل الصراع القائم في المنطقة، وبعد انسحاب أميركا من الاتفاق النووي مع إيران، ومع تصاعد الخطاب العدائي من أميركا و«إسرائيل» والسعودية والإمارات ضد إيران واعتبارها التهديد الأكبر للأمن والاستقرار في المنطقة، يبرز موضوع سلاح حزب الله في لبنان، ومعادلة «الشعب والجيش والمقاومة» في البيان الوزاري التي يصر الثنائي الشيعي مع الرئيس عون عليها، وهذه النقطة أساسية جداً في برنامج الحكومة الجديدة، فبالنسبة إلى «حزب الله» أدت نتيجة الانتخابات النيابية الى تحقيق إنجاز «الحماية السياسية للمقاومة»، وهو ما تحدث عنه السيد نصر الله بعد ظهور نتائج الانتخابات، وبالتالي إن تأكيد شرعية سلاح حزب الله وقانونيته مسألة أساسية في البيان الوزاري للحكومة، وهي قضية قد تحرج الرئيس الحريري أمام السعودية والإمارات اللتين تعتبران «حزب الله» حزباً إرهابياً تابعاً لإيران، ويمكن ان تُخرج حزب القوات اللبنانية من الحكومة الجديدة لأنه يرفض رفضاً باتاً معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» ويريد معادلة «الجيش والدولة والشعب» كما قال رئيس حزب القوات سمير جعجع.
التحدي الثاني هو الملف الاقتصادي الذي يؤرق اللبنانيين.
قبل الانتخابات النيابية عقد في العاصمة الفرنسية باريس مؤتمر سيدر-1 لمساعدة لبنان اقتصادياً في مجالات عدة منها الكهرباء والطرقات والبنية التحتية.. الخ، وتقرر في المؤتمر تقديم مساعدات للبنان بقيمة 11،8 مليار دولار لإنجاز هذه المشاريع المهمة للاقتصاد اللبناني.
الرئيس سعد الحريري خلال حملته الانتخابية تحدث كثيراً عن نتائج مؤتمر سيدر-1 وما تقرر فيها من مساعدات وقروض للبنان، وتحدث عن توفير 900 ألف فرصة عمل للبنانيين في كل المناطق اللبنانية نتيجة المساعدات والقروض التي يوفرها مؤتمر سيدر-1.
لكن الرئيس بري الذي يقلقه الوضع الاقتصادي المتجمد أكثر مما تقلقه التطورات العسكرية في المنطقة لا يبدي ارتياحاً لنتائج مؤتمر سيدر-1، ويقول ان معالجة الوضع الاقتصادي السيئ  يجب ان تكون «من أساسيات البيان الوزاري للحكومة».
وغير بعيد عن مواقف الرئيس بري من الوضع الاقتصادي يبرز موقف «حزب الله» الذي وضع أولوية مكافحة الفساد وتحسين الوضع الاقتصادي في قائمة المهمات المطلوبة للحكومة، والسيد نصر الله اعتبر أن «الفريق الذي تولى الملف الاقتصادي منذ عقود فشل»، وهو موقف يشاركه فيه الرئيس عون الذي اعتبر ان لبنان بحاجة الى كثير من المشاريع للنهوض باقتصاده ولذلك هو «يسعى الى تحويل نظام اقتصاده، من الريعي الى المنتج، بعدما كلفه هذا الاقتصاد الكثير من الديون». وهذه المواقف من الرئيسين عون وبري والسيد حسن نصر الله تضع الرئيس الحريري -إذا كُلِّف تشكيل الحكومة- في موقف صعب داخل الحكومة وخارجها، لأن نظرة الرئيس الحريري الاقتصادية مختلفة تماماً وتتعارض مع رؤية «حزب الله» والرئيسين عون والحريري، وهذا ما يمكن أن يترك أثره السلبي على الوضع الاقتصادي للبنان.
النقطة الثالثة والأخيرة هي موضوع النازحين السوريين في لبنان.
الخلاف حول هذه النقطة يتمحور حول العلاقة مع النظام السوري، ففيما يريد «حزب الله» والرئيسان عون وبري عودة العلاقات بصورة طبيعية مع النظام السوري من باب عودة النازحين السوريين الى بلادهم، يرفض الرئيس الحريري هذه النقطة بشدة ويؤكد أن عودة النازحين السوريين إلى بلادهم يجب أن تكون اختيارية وبحرية كاملة، وبالتعاون والتنسيق مع الأمم المتحلة والمجتمع الدولي، والخلاف حول موضوع النازحين يحمل أبعاداً سياسية أولاً وطائفية ومذهبية ثانياً، وهو من النقاط الحساسة جداً في لبنان.
باختصار، لبنان أمام تحديات عديدة وجدية بعد الانتخابات النيابية ونتائجها. فهل تنجح التسوية السياسية القائمة في تجاوز هذه العقبات والتحديات، أم تفعل الخلافات الإقليمية والدولية فعلها؟}