قاسم قصير

يواجه الحزب التقدمي الاشتراكي في مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية «مرحلة برزخية»، عبر الانتقال من زعامة رئيسه الأستاذ وليد جنبلاط، إلى قيادة رئيس اللقاء الديمقراطي الجديد تيمور وليد جنبلاط. ورغم أن «جنبلاط الأب» قد أعلن مراراً أنه سيتخلى عن القيادة والزعامة لنجله تيمور ما بعد الانتخابات النيابية، فإن التطورات السياسية الداخلية والخارجية لا تزال تفرض الحضور القوي لوليد جنبلاط على حساب نجله تيمور، وذلك بانتظار تشكيل الحكومة ووضوح صورة الأوضاع في الداخل والخارج.
ومع أن الانتخابات النيابية قد ثبّتت الزعامة الجنبلاطية درزياً ووطنياً، وتسلّم تيمور جنبلاط منصبه النيابي ورئاسة اللقاء الديمقراطي، فإن وليد جنبلاط لا يزال حاضراً بقوة في كل المشهد السياسي الداخلي والخارجي، وهو الذي يتولى إدارة دفة الأوضاع وتوجيه السياسة العامة للحزب.
فإلى أين يتجه الحزب التقدمي الاشتراكي في المرحلة المقبلة ما بعد الانتخابات النيابية؟ ومتى تنتهي «المرحلة البرزخية» بين وليد وتيمور جنبلاط؟ وما أبرز التحديات التي يواجهها الحزب مستقبلاً؟
المرحلة البرزخية
بداية، إلى أين يتجه الحزب التقدمي الاشتراكي ما بعد الانتخابات النيابية وفي ظل استمرار «المرحلة البرزخية» بين رئيسه وليد جنبلاط ورئيس اللقاء الديمقراطي تيمور جنبلاط؟
لقد حقق الحزب التقدمي الاشتراكي وحلفاؤه نجاحاً مهماً في الانتخابات النيابية من خلال الحصول على معظم المقاعد النيابية الوزارية (باستثناء مقعد النائب طلال ارسلان الذي تُرك شاغراً، ومقعد النائب أنور الخليل الذي يجري الاتفاق على تركه بالتنسيق مع الرئيس نبيه بري)، وقد حافظ اللقاء الديمقراطي على عدد أعضاء كتلته مع خسارة مقعدين في الشوف، وعُوِّض ذلك بمقعد درزي في بعبدا.
لكن رغم هذا النجاح وتولي النائب تيمور جنبلاط رئاسة اللقاء الديمقراطي والمشاركة في الاستشارات الحكومية، فإن رئيس الحزب وليد جنبلاط بقي حاضراً في المشهد السياسي الداخلي، إن عبر إدارة الحوار مع الرئيس المكلف سعد الحريري، أو عبر زيارة المملكة العربية السعودية، أو من خلال اللقاءات والاتصالات التي يجريها مع بقية الأحزاب والقيادات اللبنانية والسفراء العرب والأجانب.
وعمد «جنبلاط الأب» بعد مغادرته السعودية وخلال وجوده في أوروبا إلى شنّ حملة قاسية على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون (أو ما يسمى العهد) وعلى رئيس حزب التيار الوطني الحر جبران باسيل، ما أدى الى حصول سجال قاس مع مؤيدي العهد وقياديي التيار، وقدَّم الحزب طعناً بقانون التجنيس، واعتبر أن هذات العهد فاشل.
وبموازاة ذلك، كان الحزب يواجه اشكالات عديدة في الساحة الدرزية في مواجهة أنصار النائب طلال أرسلان، ولا سيما بعد أحداث منطقة الشويفات، وقد أعلن الحزب التقدمي رفضه توزير أرسلان وتمسكه بالمشاركة في الحكومة من خلال  3 وزراء دروز (إذا كانت الحكومة من ثلاثين وزيراً).
ومن خلال متابعة أداء الحزب التقدمي ورئيسه وليد جنبلاط وأعضاء اللقاء الديمقراطي، فإنّ الحزب يخوض معركة استثمار النجاح في الانتخابات النيابية لتأكيد دوره الوطني وتثبيت الزعامة الدرزية على حساب بقية الشخصيات والقوى الدرزية، ويبدو أن «جنبلاط الأب» سيواصل إدارة المعركة السياسية والحزبية في هذه المرحلة ولم يحدد متى سيحصل التسليم الكامل للقيادة لنجله تيمور.
التحديات المستقبلية
لكن ما أبرز التحديات التي يواجهها الحزب التقدمي الاشتراكي واللقاء الديمقراطي في المرحلة المقبلة؟ وهل يظل ظلّ وليد جنبلاط حاضراً بقوة في قيادة هذه المرحلة؟
قد يكون التحدي الأول الذي يواجهه الحزب واللقاء الديمقراطي اليوم تثبيت زعامته الدرزية من خلال الحصول على ثلاثة مقاعد وزارية في الحكومة الجديدة، وإذا نجح في ذلك فسيعطيه زخماً قوياً في إدارة المرحلة السياسية المقبلة، لكن استمرار قيادة وليد جنبلاط لرئاسة الحزب يؤدي إلى إضعاف دور نجله تيمور الذي يحاول إثبات حضوره السياسي والشعبي من خلال سلسلة خطوات عملية ومدروسة، إن عبر الاستقبالات الشعبية أو متابعة قضايا المحازبين والأنصار أو من خلال بعض الاطلالات الإعلامية المدروسة.
وقد عمد وليد وتيمور جنبلاط الى وضع «رقم هاتف واتس آب» خاص للتواصل مع الناس ومتابعة مختلف المطالب، وقد يكون هذا الإجراء تطويراً في التواصل غير المباشر مع الجمهور.
لكن التحدي الأهم الذي قد يواجه الحزب التقدمي في المرحلة المقبلة يتمثل في دوره السياسي والشعبي على صعيد تطوير النظام السياسي اللبناني ومواجهة التحديات المختلفة الداخلية والخارجية، فقد حرص وليد جنلاط في السنوات الأخيرة على اعتماد موقف وسطي من التطورات الخارجية وإيجاد نوع من التوازن في ظل الصراع بين المحاور المختلفة، وحرص الحزب على إطلاق حملة لمواجهة الفساد الداخلي وإقامة سلسلة من المؤتمرات حول مختلف الملفات والقضايا الحساسة، وحرص أيضاً على التوازن في علاقاته مع مختلف الأطراف السياسية ولا سيما حزب الله والجماعة الإسلامية وتيار المستقبل والقوات اللبنانية وحزب الكتائب وتيار المردة.
أما على صعيد العلاقة مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر، فهي تمرّ بين «مدّ وجزر» فأحياناً تتحسن العلاقات، وأحياناً أخرى تتجه نحو التوتر والتصعيد، وهذا ما برز في الأسابيع الأخيرة.
فأين سيكون موقع الحزب التقدمي الاشتراكي واللقاء الديمقراطي من المشهد السياسي الداخلي؟ وكيف سيوازن في علاقاته مع مختلف الأطراف؟ وكيف سيدير العلاقة مع بقية الأطراف على صعيد الساحج الدرزية؟ وهل يمكن أن يستمر في الموقف الوسطي بين إيران والسعودية؟ وماذا عن موقفه من «صفقة القرن» وتصفية القضية الفلسطينية؟ وكيف سيدير العلاقة مع النظام السوري مستقبلاً إذا نجح النظام في إثبات قوته؟ وأية رؤية اقتصادية وإصلاحية سيقدمها الحزب مستقبلاً في المرحلة المقبلة؟
هذه بعض الأسئلة التي تطرح على قيادة الحزب في المرحلة المقبلة بانتظار أن يتسلم تيمور جنبلاط القيادة بشكل كامل وإلى حين تنفيذ «جنبلاط الأب» قراره بالانصراف للعمل الوطني والفكري العام والتخلي عن قيادة الحزب والعمل السياسي التفضيلي، فمتى سيأتي هذا اليوم؟}