العدد 1489 /1-12-2021

تطرح منذ فترة على الساحة اللبنانية عدة شعارات تثير السجالات والخلافات من قبل بعض الجهات والشخصيات السياسية والحزبية والثقافية والفكرية.

ومن ضمن هذه الشعارات " مواجهة الاحتلال الايراني " او " مواجهة المحور السوري – الايراني " ، او الدعوة لتشكيل " جبهة لمواجهة نفوذ ايران المتمثل بحزب الله وحلفائه ".

وبالمقابل هناك عدد من الشخصيات السياسية والفكرية التي دعت وتدعو للدفاع عن عروبة لبنان ومواجهة المشاريع التي تستهدف هذه العروبة ، دون تحديد تفاصيل هذه المشاريع.

فما هي ابعاد هذه الحملات السياسية والاعلامية والشعبية؟ وهل حقا هناك " احتلال ايراني" للبنان ؟ ومن هي الجهات التي تستهدف عروبة لبنان ؟ واي مستقبل للبنان على ضوء هذه المشاريع؟

عن " الاحتلال الايراني " وعروبة لبنان

بداية من هي الجهات التي تطرح هذه الشعارات ؟ وما هي ابعاد هذه الحملات ؟

اول من طرح الشعار الاول ( مواجهة الاحتلال الايراني ) النائب السابق الدكتور فارس سعيد ولقاء سيدة الجبل وعدد من الشخصيات الفكرية والحزبية وما يسمى " المجموعات السيادية " ، ومن ثم انتشر هذا الشعار بين بعض الناشطين في حراك 17 تشرين الاول في العام 2019 ، ومن ثم قامت عدة سيدات بتنظيم تظاهرات محدودة امام السفارة الايرانية في بئر حسن وامام قصر العدل حاملات هذا الشعار.

في حين يطرح الشعار الثاني ( مواجهة المحور السوري – الايراني) رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وبعض قادة تيار المستقبل ، وفي لقاء حزبي مؤخرا في منطقة اقليم الخروب دعا جنبلاط للعمل لمنع سيطرة المحور السوري – الايراني على لبنان مؤكدا التحالف مع تيار المستقبل والقوات اللبنانية .

واما الشعار الثالث فيتبناه رئيس حزب الكتائب سامي الجميل والوزير السابق سجعان قزي وشخصيات سياسية وفكرية متنوعة، كما تبناه الوزير السابق النائب نهاد المشنوق وقد اعاد الاعلان عنه مؤخرا في اوتيل الريفييرا في المنارة خلال تكريمه عدد من الشخصيات السياسية والفكرية داعيا لتشكيل جبهة موسعة لمواجهة ايران ونفوذها في لبنان.

واما الدفاع عن عروبة لبنان والتحذير من خطر استهدافها فطرحه رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة والمفكر الدكتور رضوان السيد وشخصيات عديدة ، وفي الاسبوع الماضي عقد لقاء موسع في برمانا ( جبل لبنان) ضم حوالي عشرين شخصية دبلوماسية وسياسية وفكرية واعلنوا ميثاق للدفاع عن عروبة لبنان ومواجهة التدمير المنهجي الذي تتعرض له الهوية اللبنانية ، وبعد كلمة للسفير عبد الرحمن الصلح ، تلا الباحث والكاتب السياسي الاستاذ سام منسى نص الميثاق الذي اكد ان المعركة الحاصلة اليوم ليست مجرد دفاع عن عروبة لبنان بل عن الهوية العربية باسرها .

حقيقة هذه المشاريع وأين هو مستقبل لبنان

فهل حقا هناك " احتلال ايراني " للبنان ؟ ومن يهدد عروبة لبنان؟ واي مستقبل للبنان في المرحلة المقبلة؟

لقد أثار شعار " مواجهة الاحتلال الايراني في لبنان " الكثير من النقاشات والسجالات في الاوساط السياسية والاعلامية، وقد رد مسؤولو حزب الله على هذا الشعار مؤكدين عدم صجته وان لبنان يواجه احتلالا صهيونيا ونفوذا اميركيا ، واما العلاقة مع ايران فهي قائمة على اساس التحالف والتعاون وليس التبعية ، كما رد مؤخرا رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على هذا الطرح مؤكدا ان التيار سيواجه هذا الاحتلال اذا كان قائما .

وهناك اسئلة عديدة تطرح في هذا المجال : هل هناك احتلال عسكري ايراني للبنان؟ وهل هناك منشأت عسكرية ايرانية في لبنان يمكن مواجهتها والعمل لطردها ؟ ام ان المقصود مواجهة حزب الله ودوره باعتباره حليفا او مرتبطا عقائديا واستراتيجيا بايران ؟ وكيف يمكن مواجهة هذا الدور وهذا النفوذ؟ وهل ستتم المواجهة عسكريا او سياسيا او اعلاميا او شعبيا ؟

واذا كان المقصود مواجهة حزب الله ونفوذه ، فهل المطلوب طرد ومواجهة مؤيدي الحزب الذين يبلغون بمئات الالوف؟ وهل سيتم الاستعانة بقوى دولية او اقليمية او عربية من اجل تنفيذ هذه المهمة؟

لقاء سيدة الجبل والشخصيات الاخرى التي تطرح هذه الشعارات يؤكدون على المواجهة السياسية والشعبية والاعلامية، لكنهم لا يطرحون اية خارطة طريق او مشروع عمل قابلا للتنفيذ حتى الان ، وان كان هناك رهان على الانتخابات النيابية المقبلة لتغيير التحالفات واسقاط تحالف حزب الله وحركة امل والتيار الوطني الحر والقوى الاخرى ، وهذا رهان صعب ومن غير الواضح اذا كان سيتحقق .

واما حماية عروبة لبنان ، فالمعروف ان هوية لبنان العربية قد تكرست في اتفاق الطائف وفي الدستور وبعد حرب دامت 15 سنة ، وليس هناك من يهددها اليوم ، ولبنان معروف بتنوعه وعلاقاته الخارجية ، فما الهدف من هذا الطرح اليوم .

وعلى ضوء كل ذلك ما هو مستقبل لبنان ؟ وهل المشكلة بهذه الاشكالات ام ان هناك مخاطر وهموم اخرى تهدد لبنان واللبنانيين واهمها الاوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية والاوضاع الطائفية والمذهبية والمخاوف الامنية ومستقبل المؤسسات العسكرية والامنية وترسيم الحدود مع العدو الصهيوني واستعادة الاراضي المحتلة والعمل لعودة النازحين السوريين الى بلادهمورفض التوطين وغير ذلك من المشاكل والهموم الاخرى.

فلماذا لا يتم التركيز على هذه الهموم والمشكلات ووضع اليات لمعالجتها بدل طرح شعارات ومشكلات غير واقعية والدخول في معارك دونيكشاتية لا تسمن ولا تغني من جوع.

قاسم قصير