العدد 1512 /18-5-2022

خلال السنوات الاخيرة ، منذ العام 2015 والتحرك من اجل ملف النفايات مرورا بانتفاضة 17 تشرين الاول 2019 وصولا الى 15 ايار 2022 والانتخابات النيابية، برزت في الواقع السياسي اللبناني مجموعات جديدة شبابية ونقابية ومجتمعية تحركت لمواجهة الفساد وايجاد دينامكيات جديدة في الواقع السياسي والحزبي والنقابي .

وقد سبق هذه الموجة من التحركات موجات اخرى تحركت من اجل الدعوة للانتخابات البلدية وبعض الملفات الاجتماعية والانسانية.

وقد حققت هذه المجموعات بعض النجاحات وفشلت في بعض المحطات ، لكن في الانتخابات النيابية الاخيرة نجحت هذه المجموعات في ايصال مجموعة متنوعة من النواب وحققت خروقات مهمة في الواقع السياسي والحزبي .

فماهي ابرز الملاحظات على هذه المجموعات التغييرية وهل صحيح انها كلها مرتبطة بالسفارات الاجنبية واي دور لها في المستقبل؟

بين الايجابيات والسلبيات

بداية ما هي ابرز الايجابيات والسلبيات على مجموعات المجتمع المدني وقوى التغيير وهل حقا انها كلها مرتبطة بالسفارات الاجنبية؟

هذه المجموعات التي برزت خلال العشرين سنة الماضية بشكل كبير ليست مجموعات موحدة ومتكاملة ، بل هي مجموعات متنوعة وليس لديها مشروعا سياسيا موحدا ، وفي انتفاضة 17 تشرين الاول 2019 تم احصاء حوالي 450 مجموعة متنوعة في كل المناطق اللبنانية ، ورغم كل المحاولات لتوحيدها فلم يتم جمعها في مجموعة واحدة بل انقسمت الى عدة مجموعات اساسية ، وان كان بعضها خاض الانتخابات بشكل مشترك وهذا ساهم في فوز بعض اعضائها.

وليست كل هذه المجموعات مرتبطة بالسفارات الاجنبية، وان كان قسم كبير منها كان يتلقى دعما من مؤسسات اوروبية واميركية وتدريبات على التحرك والنضال ، لكن هناك مجموعات كثيرة وطنية وبعضها يسارية وقسم منها يتلقى دعما من شخصيات لبنانية في الخارج.

وبعض هؤلاء تأثر بالدعوات الى العلمانية ، في حين ان بعضها له علاقة بقوى المقاومة وبعض القوى الوطنية ويتحرك وفقا لاجندات داخلية وليست خارجية، وان كان يسود بينها الصراعات والخلافات الكثيرة.

وبالأجمال اصبحت هذه المجموعات قوة فاعلة على الارض وتملك ماكينات انتخابية قوية وحقق بعضها نجاحات مهمة في الانتخابات الطلابية والنقابية واخيرا في الانتخابات البرلمانية الاخيرة.

اي دور مستقبلي ؟

لكن اي دور مستقبلي يمكن ان تلعبه هذه المجموعات وخصوصا بعد فوز عدد من اعضائها في الانتخابات الاخيرة؟.

خلال حلقة حوارية عقدت مؤخرا في مركز تموز للدراسات وللتكوين على المواطنة في مدينة جبيل حول الحراك المطلبي ومجموعات التغيير ، تم تقديم ملاحظات عديدة على دورها المستقبلي ، وهذه ابرز هذه الملاحظات :

أولا : على الحراك المطلبي الارتقاء إلى مصاف الثورة،وذلك باستقطاب غالبية الشرائح المجتمعية المتضرّرة من تحكم منظومة الفساد والإفساد بمصيرها. علمًا أن سقف المطالب لم يعُدْ قطاعيًا، مما يُوجب رفعه إلى المستوى السياسي، وتحوّل الأداة النقابية إلى أداة سياسية.

ثانيا : في مواجهة الأزمة المصيرية الوجودية، لا بُدَّ أن يتمَّ الانتقال من المواطنية الساكنة إلى المواطنية الفاعلة، ومن دون هذا التحوّل لن يكون خلوصٌ إلى النتائج المرتجاة.

ثالثا : بقدر ما تُشكِّل الأزمة، التي يتردّى لبنان في مهاويها، أزمة وجودية، فإن الخروج من نظام الفساد إلى لبنان جديد، يُمثِّل ضرورة مصيرية وجودية، وإلاّ فإن البلاد ذاهبةٌ إلى الارتطام الكبير، الذي لن يُبقي ولن يذر.

رابعا :إن الصراع مع السلطة- أي سلطة- يقتضي وجود ثقافة سياسية وخبرة نضالية مديدة، لم تكونا متوفرتين، لدى الحراك المطلبي، إلاّ في حدود دُنيا. علمًا أننا في عصر، غدت فيه الأزمات وإدارتها علمًا مُعترفًا به، يتمّ تدريسُهُ في الجامعات

خامسا : الدعوة إلى نظام اقتصادي قائم على العدالة الاجتماعية والمساواة، والإفادة من التطورات المتسارعة في العالم، في جميع المجالات، لا سيما في العالم الرقمي وإنجازاته، وبما يُعزِّز من دور اقتصاد المعرفة

سادسا : في أي استحقاقات انتخابية (نيابية أو مهنية أو قطاعية)، على قوى التغيير أن تُقلع عن ثقافة الانتخابات غير السويّة المتأصِّلة لديها، والقائمة على حسابات خاطئة ونرجسيات متضخّمة، والمتمثّلة في عدم التوحُّد صفًّا واحدًا في مواجهة لوائح السلطة وأحزابها.

سابعا : في إطار المحطات النضالية المطلوبة، وبعد الانتخابات النيابية، ينبغي الدعوة إلى تشكيل حكومة جديدة مع صلاحيات تشريعية، في المجالين المالي والاقتصادي. وعلى أن تتشكَّل من أشخاص موثوقين وأكفياء علميًا ولم يتلوثوا بالفساد.

ثامنا : القيام بحملة، تهدف إلى إجراء تعديلات على مجموعة من القوانين، لا سيما قانون العمل، وتحديدًا المادة (83) التي أفضت إلى تشتيت القوى العاملة، عبر مئات النقابات وعشرات الاتحادات العمالية.

واضافة لهذه الافكار والملاحظات المهمة فان على مجموعات التغيير والنواب الذين وصلوا الى البرلمان مسؤولية الدعوة الى طاولة حوار وطني من اجل بحث كل الملفات والازمات وهذا اقصر الطرق للوصول الى حلول عملية لمختلف الأزمات.

قاسم قصير