وائل نجم - كاتب وباحث

ازداد خلال الأيام الماضية الحديث عن مخاوف تطال مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين قرب صيدا، وذلك على خلفية أن ما يُعرف بالمجموعات الإسلامية في المخيم تحاول فتح معركة عسكرية مع الفصائل الفلسطينية بهدف السيطرة على المخيم، وتالياً التمدد خارجه من أجل السيطرة على الطريق البحرية التي تربط بيروت بالجنوب، وبذلك تتمكن هذه المجموعات –بحسب ما يجري تسويقه– من عزل «حزب الله» في الجنوب عن الضاحية، كما تقطع طريق القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان إلى بيروت، وتصبح كل مدينة صيدا تحت تصرّفها. وبالطبع هذا سيناريو من نسج خيال أولئك الذين يكيدون للمخيم واللاجئين ولمدينة صيدا وللاستقرار العام في لبنان، وقد جرى تضخيم إشاعات تتحدث عن نيّة عند كل من «جبهة النصرة» و«تنظيم الدولة» لتحويل لبنان من أرض نصرة (مناصرة) إلى أرض جهاد، وجاءت حملة الحديث عن المخاوف على مخيم عين الحلوة متزامنة مع هذه الاشاعات بهدف إعطائها شيئاً من الجدّية، وقد شرعت الفصائل الفلسطينية كافة، واللجان الشعبية بتحرك واسع مع فعاليات المخيم من ناحية، ومع الفعاليات اللبنانية من ناحية ثانية من أجل دحض هذه الاشاعات والتأكيد أن أمن المخيم من أمن لبنان، وأنهم يرفضون اية محاولة للزج بالمخيم في حروب ومواجهات لا تكون نتيجتها سوى تدمير المخيم وتحويل سكانه مرة ثانية إلى لاجئين يبحثون عن ملاذ آمن.
وبالتزامن مع الحديث عن مخاوف تطال مخيم عين الحلوة قرب صيدا، بدأت بعض الشخصيات السياسية المحسوبة على فريق 8 آذار حملة تحريض جديدة على بلدة عرسال البقاعية، وهذه المرة من دون مقدمات كتلك التي حصلت عقب كل حدث أمني طاول المنطقة الحدودية كما جرى بعد تفجيرات بلدة القاع. وقد دعا أحد نواب كتلة حزب الله إلى طرد من سمّاهم «الإرهابيين» من البلدة بأي طريقة، وجاء ذلك على خلفية بعض الاحداث الأمنية العادية التي تحصل في اي مكان من لبنان، وربما، في محاولة للزج بالجيش اللبناني في صراع مع البلدة وأهلها بهدف إضعاف الجيش من ناحية، وتهجير أهالي البلدة من ناحية أخرى.
هل من المستبعد أن تحدث بعض الخضّات الأمنية سواء في عين الحلوة أو عرسال؟ وما هي الاهداف الحقيقية من وراء تضخيم مثل هذه الأحداث والاحاديث؟
من غير المستبعد أن تحصل بعض الخضّات أو الرسائل الأمنية سواء في مخيم عين الحلوة أو في بلدة عرسال، أو يمكن أن يكون عنوان هذه الخضّات أو الرسائل انجازات استباقية تحققها بعض الاجهزة الأمنية على قاعدة «قطع رأس الارهاب» قبل حدوث العمل «الارهابي» المفترض. وعند ذلك يمكن القول أو الايحاء بأن كل التحذيرات كانت في مكانها وكانت جدّية وحقيقية، ولكن الحقيقة الأخرى في ذلك أنها قد تكون قد وجدت لتحقيق غايات وأهداف سياسية في هذه المرحلة.
أولاً الكل يدرك ويعلم أن لا مصلحة لأي طرف لبناني باستجرار الاحداث السورية إلى داخل لبنان، خاصة تلك الأطراف المتورطة بالقتال في سوريا إلى جانب النظام السوري، لاعتبارات كثيرة ليس أقلها الحفاظ على الاستقرار الذي يؤمن البيئة المرتاحة للذين يقاتلون في سوريا، ولذا فإن هذه الجهة لا تريد أن تنقل الفوضى والقتال إلى لبنان، ولكن في الوقت ذاته هذا لا يعني أنها لا تستخدم لبنان فزّاعة أو صندوقة رسائل في بعض المحطات.
وفي مقابل ذلك فإن المجموعات السورية المقاتلة على اختلاف توجهاتها بما فيها «النصرة» و«تنظيم الدولة» لم تتخذ قراراً بعد باتخاذ لبنان مسرحاً للقتال أيضاً، لاعتبارات ليس أقلها أن هناك في لبنان أكثر من مليون ونصف مليون لاجىء سوري يلوذون بكنف اللبنانيين، وأي قتال داخل البلد سيحول هؤلاء إلى لاجئين مرة ثانية قد تتشرد بهم السبل، فضلاً عن أن أي قتال في لبنان لا يغيّر في المعادلة الداخلية السورية أي شيء، فضلاً عن أنه يحوّل الصورة النمطية التي تحاول تكريسها المعارضة السورية من أنها ثورة ضد النظام المستبد وضد المحتل القادم من خلف الحدود، وأي قتال لها خارج أراضيها يقضي على ما بقي من هذه الصورة، بل ويؤكد مزاعم النظام من أنها مجموعات «إرهابية» ولذلك لا مصلحة حالية لها في تحويل وجهة الصراع. وبالطبع من دون أن يعني ذلك أنها قد لا تلجأ إليها في وقت من الأوقات. وإذا أخذنا في الاعتبار الحديث عن توجه لدى «النصرة» لفك الارتباط بتنظيم القاعدة، والتحوّل إلى تنظيم سوري يعمل داخل سوريا، فإن ذلك يعني أن هذه المجموعات ليست في وارد نقل مواجهاتها إلى خارج الحدود السورية.
القضية الحقيقية إذاً هي محاولة ضغط في هذه المرحلة أكثر مما هي محاولة لإشعال فتيل الفتنة في المنطقة أكثر مما هو مشتعل، وإذا أدركنا أن هناك محاولات أمريكية روسية لصياغة اتفاق لانهاء الأزمة السورية على قاعدة الاستغناء عن بشار الاسد وتشكيل مجلس حكم عسكري انتقالي خلال الاشهر المقبلة، وربما قبل نهاية ولاية الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، وفي هذه المرحلة الدقيقة التي انكفأت فيها تركيا إلى داخلها لاستيعاب محاولة الانقلاب الفاشلة، وهو ما يعكس اهتماماً تركياً اقل بشؤون المنطقة، ويفتح المجال والباب لانجاز تسوية ولو مرحلية وفقاً للاتفاقات والقناعات الروسية الأمريكية، وبالتالي على حساب الاطراف الأخرى المشاركة المنخرطة بالأزمة السورية، ولذلك قد يكون التضخيم في ملفات  مخيم عين الحلوة وعرسال من قبيل محاولات الضغط على المفاوضين الدوليين في الملف السوري حتى يكون للشركاء الآخرين دور في رسم سياسات سوريا والمنطقة ومستقبلهما.