وائل نجم

 ما عجزت عن معالجته السنون والشهور لم يكن للأيام القصيرة أن تعالجه وتجد له الحلول المرضية، فقانون الانتخاب الذي سبّب الخلاف عليه في السنوات الماضية التمديد للمجلس النيابي الحالي مرتين تحت عناوين الضرورات، ظل محل خلاف وانقسام بين القوى السياسية حتى ربع الساعة الأخير، والحيلة التي لجأت إليها الحكومة للتهرّب من مسؤوليتها في الاتفاق على قانون انتخاب جديد عبر تشكيل لجنة وزارية مصغّرة في آخر اجتماع لها يوم الاثنين الماضي، وترك الخيار لمن يشاء من الوزراء بالدخول إلى هذه اللجنة، كان يخفي فشل الحكومة في التصدّي لهذا الملف الحساس، وفشل اللجنة المسبق في التوصل إلى اتفاق، وهو ما يلخص فشل الحكومة والقوى السياسية أيضاً، وقد امتلك الرئيس سعد الحريري الجرأة للقول إن هذه الحكومة إذا لم تتمكن من إنجاز قانون انتخاب تكون قد فشلت، وها هي اليوم تعترف بالعجز، وتالياً بالفشل، وبالتالي فإن السؤال المشروع عند كل اللبنانيين: ترى ماذا ستتخذ الحكومة من قرار في ضوء هذا الفشل؟
لقد عقدت اللجنة الوزارية المصغرة اجتماعاً يتيماً في السرايا الحكومية، وبحثت في ملف الانتخابات، ولكنها لم تصل إلى نتيجة، فكل طرف من الأطراف يريد الفوز لحزبه، بل ربما لنفسه، والمقياس الذي يجري التعامل معه في هذا الملف هو الفوز الشخصي والحزبي والطائفي، وليس أي شيء آخر، وبالتالي سدّت الآفاق أمام أي اتفاق ليخرج في نهاية الجلسة وزير الداخلية، نهاد المشنوق، وينعى عمل اللجنة.
في مكان آخر كانت هيئة مكتب المجلس النيابي تناقش الدعوة إلى جلسة تشريعية وجدول أعمالها متضمن بنداً عن التمديد للمجلس النيابي. ففي عرف رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، الطبيعة لا تحتمل الفراغ، والسلطة التشريعية، أم السلطات، لا تحتمل الفراغ أيضاً، ولا شرعية ولا مشروعية لأية سلطة بعد انعدام وجود السلطة التشريعية، ولذلك أصرّ مع هيئة مكتب المجلس على عقد جلسة تشريعية يوم الخميس، وأكد إدراج اقتراح معجّل مكرر من النائب نقولا فتوش حول التمديد للمجلس النيابي إذا فشلت الحكومة في إرسال مشروع قانون جديد للمجلس. وهنا قامت الدنيا ولم تقعد. فالتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، ومن خلفهما رئيس الجمهورية، ميشال عون، يرفضان التمديد، ويصرّان على إجراء الانتخابات، ولكن وفق القانون الذي يحمي مصالحهما ويؤمنها، ولذلك امتنع رئيس الجمهورية ميشال عون عن توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الذي أصدره وزير الداخلية نهاد المشنوق، ضمن المهل الدستورية الناظمة، وبالتالي بتنا اليوم أمام فرضية من اثنتين لا ثالث لهما: فإما أن يقع البلد في الفراغ النيابي بالنظر إلى عدم القدرة على إجراء الانتخابات النيابية في الفترة الباقية، وإما أن يصار إلى الاتفاق على قانون انتخاب، وهو إلى الآن متعذر، أو على مبادئ قانون انتخاب، وهو قد يكون متاحاً في خلال الساعات المقبلة، وبالتالي الذهاب إلى تمديد تقني لا يتعدّى بضعة أشهر.
أمّا كيف ستتعامل القوى السياسية ورئيس الجمهورية مع الجلسة التشريعية المقررة الخميس، فمن الواضح أن «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» لوّحا باللجوء إلى الشارع احتجاجاً على انعقاد الجلسة، بالطبع إضافةً إلى مقاطعة هذه الجلسة وتشكيل حالة ضغط على بقية النواب المسيحيين لمنعهم من الحضور، وإذا تسنّى لهم من خلال هذا السيناريو ضمان عدم تأمين ميثاقية الجلسة فإنهم سيكتفون بهذا الامر، وسيؤكدون أن كل ما يمكن أن يصدر عن الجلسة غير ميثاقي، وبالطبع فإن رئيس الجمهورية في هذه الحالة سيلجأ إلى المجلس الدستوري للطعن في أي قانون يصدر عن المجلس، مستنداً إلى عدم ميثاقية الجلسة. ولكن هذا السيناريو دونه عقبات أولاً، وله نتائج وتداعيات ليست بسيطة، ولعلّ في مقدمتها تأكيد هواجس القوى الاسلامية التي تتخوّف من اقتراحات القوانين التي يتقدّم بها الثنائي المسيحي والتي تصبّ في جوهرها في الوصول إلى الأمساك بمفاصل المجلس النيابي، وتالياً مفاصل الحياة السياسية في البلد، بما في ذلك تشكيل الحكومات ووضع قوانين الانتخابات، وصولاً إلى انتخاب رئيس الجمهورية الجديد بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي.
أما إذا لم يتمكن التيار والقوات من الحشد النيابي اللازم لمقاطعة الجلسة، وعلى وجه الخصوص إذا شارك حزب الكتائب فيها، فإن رئيس الجمهورية قد يلجأ إلى حقه الدستوري بالطلب من المجلس النيابي تأجيل جلسته مدة شهر، وهنا ايضاً ندخل في أزمة جديدة لأن ذلك سيعني بقاء فترة شهر واحد من عمر المجلس النيابي، وسيعني أيضاً أن المجلس لن يكون في دورة عادية للانعقاد، وكل ذلك يأخذنا إلى الفراغ أو إلى الصراع الذي لا نعرف لا كيف يبدأ ولا إلى ماذا ينتهي.
الحكومة اليوم فشلت في الملف الأساسي الذي أتت من أجله، والمجلس النيابي قد لا يتمكّن من أخذ المبادرة لإنقاذ الوضع، والقوى السياسية بجشعها أوصلت الأمور إلى هذا المستوى من التعقيد، فيما الشعب مخدّر بكثير من الازمات الهواجس التي تجعله يتمرتس خلف هذه القوى السياسية، وبالتالي فإن الحل في الساعات المقبلة هو فقط بقناعة هذه القوى جميعها بخطر ما تقوم به على نفسها وعلى كل لبنان.