قاسم قصير

عشية انتهاء المهلة المحددة لسحب الترشيحات وبدء مهلة تشكيل اللوائح الانتخابية في 21 آذار الجاري، لم تنجح القوى اليسارية والاعتراضية وقوى الحراك المدني في تشكيل لوائح مشتركة في كل الدوائر الانتخابية. ففيما شُكِّلَت لوائح مشتركة في دوائر محددة (كدائرة صور - الزهراني)، تشهد بقية الدوائر خلافات وتباينات سياسية وانتخابية، ما قد يؤدي إلى إضعاف دور هذه القوى السياسية والهيئات المدنية في الانتخابات المقبلة.
فأين أصبحت الحوارات والنقاشات بين هذه القوى في مختلف الدوائر الانتخابية؟ وهل تنجح هذه القوى في تحقيق اختراقات انتخابية في بعض الدوائر إذا استمرت الخلافات في ما بينها؟ وأي مشروع سياسي مستقبلي يمكن أن تطرحه في مواجهة قوى السلطة والأحزاب السياسية؟
بين التحالفات والخلافات
بداية، إلى أين وصلت النقاشات والحوارت بين القوى اليسارية والحزبية المعارضة وهيئات المجتمع المدني في معظم الدوائر الانتخابية؟
حسب مطلعين على الحوارات والنقاشات الدائرة بين القوى اليسارية والحزبية الاعتراضية وبين هيئات المجتمع المدني في مختلف الدوائر الانتخابية، يمكن رسم الخريطة الآتية لنتائج هذه النقاشات:
أولاً: في بيروت شكلت حركة الشعب لائحة خاصة بها مطعمة بعدد من ناشطي التيار المدني، لكن في المقابل فإن مجموعات الحراك المدني انقسمت الى اتجاهين: الأول ينشط باسم «بلدي» وأعلن لوائحه الخاصة في دائرتي بيروت الأولى، والثاني ينشط باسم «تحالف وطني» ويضم مجموعة واسعة من الناشطين، وهناك محاولات واسعة للاتفاق على لوائح مشتركة، لكن لا تزال الخلافات حول الترشيحات تؤجل هذا الاتفاق.
ثانياً: في دوائر جبل لبنان تنشط القوى الاعتراضية ومجموعات المجتمع المدني في معظم الدوائر، ومن أبرز هذه المجموعات في دائرة الشوف وعاليه ودائرة المتن، حيث تسعى مجموعات الحراك المدني لتشكيل لوائح مشتركة، كذلك ينشط عدد من المرشحين في بقية الدوائر، فيما يتجه الوزير السابق زياد بارود إلى الترشح على لائحة التيار الوطني الحر في كسروان - جبيل، وقد تكون دائرة المتن الشمالي من أبرز الدوائر التي قد تشهد تحالفاً انتخابياً مدنياً  اعتراضياً، وذلك بانتظار بلورة بعض الاتصالات.
ثالثاً: دوائر الجنوب: في صيدا - جزين يتجه النائب السابق الدكتور أسامة سعد للترشح بلائحة مشتركة مع إبراهيم عازار، وهذه اللائحة تلقى دعماً من الرئيس نبيه بري وقوى يسارية واعتراضية.
وفي دائرة صور - الزهراني نجح الحزب الشيوعي وبعض الناشطين المدنيين وممثلي الهيئات الثقافية في تشكيل لائحة موحدة، ومن أبرز رموزها الأستاذ رياض الأسعد.
وأما في دائرة بنت جبيل - النبطية - مرجعيون - حاصبيا، فلم يحصل الاتفاق بين كل القوى الاعتراضية وهيئات المجتمع المدني على لوائح مشتركة، وأعلن الدكتور عبد الله رزق (أحد مسؤولي المجلس الثقافي اللبناني الجنوبي الذي يرأسه النائب حبيب صادق) انسحابه من المعركة الانتخابية، فيما أعلن الناشطون علي الأمين وعماد قميحة وأحمد اسماعيل الترشح ضمن لائحة واحدة. وبالمقابل، شكل أحمد الأسعد لائحته الخاصة، فيما يتجه الحزب الشيوعي ومنظمة العمل الشيوعي لتشكيل لائحة خاصة بهما، ما قد يؤدي إلى تشتت القوى الاعتراضية ومجموعات المجتمع المدني في هذه الدائرة.
وفي دوائر الشمال هناك تحرك لافت لقوى المجتمع المدني في طرابلس، ولكن معظم هذه القوى قد تتحالف مع قوى حزبية أو شخصيات فاعلة، وفي عكار تم تشكيل لائحة نسائية مستقلة، في حين أن نقيب المعلمين السابق نعمة محفوظ انضم الى لائحة تيار المستقبل.
وبانتظار اتضاح الصورة النهائية عن اللوائح والتحالفات، لا يبدو ان القوى الاعتراضية ومؤسسات المجتمع المدني قد اتفقت على خوض الانتخابات بشكل مشترك وفي لوائح موحدة في كل الدوائر الانتخابية.
أي مشروع سياسي مستقبلي؟
لكن ما هو المشروع السياسي الذي يمكن ان تطرحه قوى اليسار والمجموعات الاعتراضية أو قوى الحراك المدني في المستقبل وفي ضوء معركة الانتخابات النيابية؟
تشكل المعركة الانتخابية المقبلة مرآة واضحة لحجم القوى الحزبية اليسارية والاعتراضية ومؤسسات المجتمع المدني في مختلف الدوائر الانتخابية، فهذه الانتخابات ستكشف الحجم الشعبي الحقيقي لهذه القوى، وكذلك ستكون فرصة لاختبار مدى مصداقيتها وطبيعة التحالفات والعلاقات التي تنسجها مع قوى السلطة والأحزاب السياسية الفاعلة.
وتطرح القوى الاعتراضية واليسارية ومؤسسات المجتمع المدني العديد من الشعارات والأفكار المهمة، ومنها: 
1- اقامة الدولة المدنية أو الدولة الحديثة أو دولة القانون، والبعض منها يطالب بالدولة العلمانية والنظام المدني للأحوال الشخصية وتلبية حقوق كل الهيئات الاجتماعية، ولا سيما المطالب النسائية.
2- مكافحة الفساد في كافة المجالات.
3- معالجة هموم الناس، وخصوصاً على صعيد الكهرباء والنفايات والبيئة.
4- استعادة الأموال المنهوبة والأملاك العامة.
5- اقامة نظام جديد لتأسيس الأحزاب السياسية.
6- تعزيز دور الشباب والنساء في الشأن العام.
7- إلغاء الطائفية السياسية وإصلاح النظام السياسي وتطبيق اتفاق الطائف.
8- وضع سياسات اقتصادية جديدة لمعالجة مشكلة الدين العام والخلل في الموازنة.
اضافة إلى سلسلة كبيرة من المطالب التفصيلية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومعظم هذه المطالب لا تختلف عن مطالب بقية القوى السياسية والحزبية وشعاراتها، لكن المشكلة في معظم البرامج المطروحة أنها لا تقدِّم آليات واضحة لكيفية تحقيق هذه المطالب، وكيف يمكن الضغط على قوى السلطة والجهات الحاكمة اليوم للاستجابة للمطالب.
ومن خلال مراجعة التجارب السياسية السابقة، ولا سيما تجربة الحركة الوطنية والأحزاب اليسارية، فإن اللجوء إلى الثورات أو التغيير بالقوة وصولاً إلى الانخراط في الحرب الأهلية، لم يؤد إلى تحقيق تطوير كبير في النظام السياسي، وقد اضطرت الحركة الوطنية اللبنانية إلى التخلي عن برنامجها للاصلاح السياسي وقبلت باتفاق الطائف الذي كرَّس الطائفية والمذهبية ولم يحقق التطور الكبير والإصلاحي في النظام اللبناني.
اذن، سنكون في المرحلة المقبلة أمام أسئلة عديدة، سواء أمام القوى اليسارية والاعتراضية ومؤسسات المجتمع المدني أو بقية القوى السياسية والحزبية حول كيفية تطوير النظام السياسي اللبناني وتحقيق مطالب الناس، وإذا لم تنجح القوى اليسارية والاعتراضية ومؤسسات المجتمع المدني في تحقيق النجاح البارز في الانتخابات النيابية، فإنها معنية بإعادة البحث في آفاق مشروعها السياسي المستقبلي وآليات العمل التي ستعتمدها في المرحلة المقبلة.
وبانتظار بلورة الصورة الانتخابية المقبلة، فإن المشكلات الذاتية للقوى اليسارية والاعتراضية ومؤسسات المجتمع المدني والخلافات في ما بينها، قد تنعكس سلباً على دورها ومعركتها الانتخابية، وإذا لم يجرِ تدارك الأمور قبل انتهاء المهلة الأخيرة لتشكيل اللوائح، فإنها ستقدم صورة سلبية عن دور قوى التغيير في الواقع السياسي اللبناني حالياً وفي المستقبل.}