وائل نجم -كاتب وباحث

 يمكن القول إن وزارة الداخلية صدقت القول وأجرت الانتخابات البلدية في الجولة الأولى ونجحت في إنجازها في أعقد محافظتين، بيروت، والبقاع ضمنها بعلبك الهرمل، وهذا فعلاً يعدّ من الانجازات التي تسجل للوزارة، وتالياً الحكومة، خاصة في ظل الشلل الذي يطبع الحياة السياسية والنيابية والعامة في لبنان، وهو بالطبع يعطي أملاً متجدداً بأن الدولة لا تزال موجودة ومستمرة ويمكن أن تفعل الكثير، وإن كانت الهيمنة والاستقواء وتهميش الدولة أيضاً ما زال قائماً وموجوداً ومستمراً في كثير من الجوانب المتصلة بالسيادة والقرار والحرية وما سوى ذلك. 
ربما أرادت الطبقة السياسة، أو المتحكمون بقرار البلد، ومن خلفهم المهيمنون على قرار الدولة، ربما أراد هؤلاء إلهاء الناس عن كثير من المشاكل والازمات المتراكمة والمركبة من خلال فتح المعركة الانتخابية بين الفئات الشعبية والقوى السياسية والعائلية، وقد لاحظنا أن اهتمام الناس انصبّ بشكل كامل خلال الأسابيع الأخيرة على الانتخابات البلدية، فتحوّلت القرى والبلدات والمدن إلى ساحات نقاش ونزال وسجال بين المكوّنات السياسية والعائلية، تارة من خلال الحديث عن التوافقات وإثارة الهواجس والقلق، وتارة أخرى من خلال الحديث عن معارك إنمائية وهمية لا يستفيد من خلاصتها إلا تلك الطبقة المتحكّمة بقرار البلد، وهذا كله - فعلاً – استطاع أن يحرف الناس عن الاهتمامات والمشاكل والأزمات الأخرى حتى الحياتية، فلم نعد نسمع عن أي تحرك على خلفية أزمة النفايات، ولا الكهرباء، ولا الماء، ولا الخدمات، ولا الفساد، ولا الصفقات، ولا الاتهامات التي كشفت الطبقة السياسية نفسها بها، ولا أي شيء من هذا القبيل. بتنا وكأن البلد بألف خير، وأن الأمور «ماشية، والبلد ماشي» والعالم بألف خير. حتى أن الحديث عن الشغور في موقع الرئاسة الأولى، وهو أم الازمات في لبنان، لم نعد نسمع عنه شيئاً، ولا حتى التمديد للمجلس النيابي. بات كل حديث الناس انتخابات بلدية، وتنمية، وخدمات، كل الناس تعلم أنها مرتبطة بشكل أساسي وكبير بالطبقة السياسية والذين يشغلون موقع القرار في البلد، وأن أي إصلاح أو تغيير أو محاولة للانماء لا بدّ أن تمرّ من خلال هذه الطبقة، « وفهمكم كفاية ماذا يعني ذلك».
إلا أن السؤال الذي تبادر إلى ذهن كل مواطن لبناني هو: كيف يمكن وزارة الداخلية ومن خلفها الحكومة أن تنجح في إجراء الانتخابات البلدية، ولا تسعى لإجراء الانتخابات النيابية؟ كيف يمكن القوى السياسية أن تشارك في إنجاح الانتخابات البلدية ولا تسمح لنفسها بإجراء الانتخابات الرئاسية، علماً أن الشغور في منصب رئاسة الجمهورية هو الذي ولّد ويولّد الازمات الأخرى كافة؟! 
الحقيقة هناك انفصام في شخصية الدولة وفي شخصية القوى السياسية على حد سواء، أو قل أغلبية هذه القوى! والحقيقة الأخرى أن الدولة مخطوفة من هذه القوى التي لا تريد سوى مصالحها الخاصة والضيقة ولا تنظر إلى مصالح المواطنين كمواطنين لبنانيين، بل  كمكوّنات طائفية ومذهبية تصادر هذه القوى السياسية دورها وتزعم تمثيلها! وهنا نسأل: لماذا لا تتفق القوى السياسية على انتخاب رئيس للجمهورية بالطريقة القانونية والدستورية التي اقرّها الدستور؟ لماذا لا تحضر بعض الكتل النيابية إلى المجلس النيابي وتمارس واجبها الدستوري في انتخاب الرئيس كما حضر نوابها إلى أقلام الاقتراع في المدارس واقترعوا لمصلحة مرشحيهم إلى المجالس البلدية؟ وهل المجالس البلدية، على أهميتها، أهم وأفضل من الرئاسة الأولى؟ وبالتالي ما المبرر بالنسبة إلى هؤلاء لتأخير الانتخابات الرئاسية وتعطيل البلد سوى المصالح الخاصة والشخصية والضيقة، وسوى تقديم مصالح دول الاقليم على مصالح لبنان واللبنانيين؟!  أما بالنسبة إلى الانتخابات النيابية، فإن القوى السياسية المهيمنة على الدولة والبلد، تريد قانوناً انتخابياً على مقاسها، لأنها تعرف أن نصف المعركة الانتخابية يكمن في قانون الانتخاب، ولذلك هي عطّلت الانتخابات في المرة الأولى ومدّدت للمجلس النيابي، أي لنفسها، ثم عطّلت الانتخاب مرّة ثانية ومدّدت لنفسها ايضاً، وهي اليوم تدير معركة «طواحين هواء» حول اقتراحات ومشاريع قوانين الانتخاب في المجلس النيابي. كل قوة سياسية وكتلة نيابية تريد قانوناً للانتخاب على مقاسها، وترفض أي قانون يؤمّن فعلاً حقيقة التمثيل ويحفظ العيش المشترك بين اللبنانيين.  
اليوم من بين سبعة عشر اقتراحاً ومشروع قانون انتخاب موجودة أمام هيئة مكتب المجلس النيابي، اختصرت اللجان النيابية المشتركة الموضوع بأربعة اقتراحات ومشاريع قانون، واحد يعتمد النظام الأكثري، وآخر يعتمد النظام النسبي، وثالث يعتمد النظام المختلط بصيغتين، ورابع يعتمد الدائرة الفردية، ولكن لا يبدو في الأفق أن اللجان المشتركة، وبعدها الهيئة العامة للمجلس النيابي ستتمكن من إنجاز الاتفاق على صيغة قانون يرضي الجميع أو الأغلبية، وإن كانت أغلبية القوى تتجه إلى الموافقة على القانون المختلط مع فارق في نظرة كل طرف إلى نسبة ما يمكن اعتماده من عدد النواب على اساس النسبية، وما يمكن اعتماده على أساس الاكثرية، وقد يكون القانون الأكثر حظوظاً إذا سلمت النيات. 
المهم في كل ذلك أن تجري الانتخابات الرئاسية أولاً، ومن ثم الاتفاق على قانون انتخاب لإجراء انتخابات نيابية، وإلا فإن البلد معرّض لمزيد من الفساد والافلاس والانهيار على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى منظومة المجتمع بشكل عام.