بسام غنوم

تلقى حزب الله في خلال أسبوع واحد ضربتين قاسيتين، الأولى أمنية تمثلت بمقتل القائد العسكري للحزب مصطفى بدر الدين في دمشق، بعملية أمنية غامضة لم يستطع بيان حزب الله الذي صدر عقبها أن يقنع أحداً، سواء في لبنان أو على صعيد الأجهزة الأمنية المهتمة. إذ اختصر حزب الله عملية اغتيال بدر الدين بأنه «ناجم عن قصف مدفعي قامت به الجماعات التكفيرية الموجودة في تلك المنطقة»، وهو ما نفته قوى المعارضة السورية وأكده المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي قال إنه لم يسجل أي قصف من مناطق المعارضة باتجاه المكان الذي قتل فيه مصطفى بدر الدين.
أما الضربة الثانية، فكانت مالية حيث بدأ مصرف لبنان والمصارف اللبنانية تطبيق القانون 2297 الصادر عن الكونغرس الأميركي في 15 كانون الأول 2015 حول «منع التمويل الدولي لحزب الله»، وذلك بعد صدور المراسيم التطبيقية لهذا القانون الذي أثار حفيظة حزب الله الذي اعتبر التزام المصارف اللبنانية للقانون الأميركي حول منع تمويل حزب الله هو بمثابة حرب إلغاء «لأنه يؤسس لحرب إلغاء محلية يسهم في تأجيجها المصرف المركزي وعدد من المصارف، فضلاً عن كون الالتزام به مصادرة للسيادة اللبنانية النقدية» حسب البيان الصادر عن كتلة الوفاء للمقاومة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف سيتصرف حزب الله تجاه الاجراءات المالية بحقه في المصارف اللبنانية، وهل سيعيد حساباته السورية بعد مقتل قائده العسكري مصطفى بدر الدين في دمشق؟
البداية أولاً من عملية قتل القائد العسكري لحزب الله مصطفى بدر الدين في دمشق يوم الجمعة الماضي في عملية أمنية لم تتضح صورتها الحقيقية بعد، رغم اعلان حزب الله في بيان رسمي أن «التحقيقات أثبتت لدينا أن الانفجار الذي استهدف أحد مراكزنا بالقرب من مطار دمشق الدولي، والذي أدى إلى استشهاد القائد السيد مصطفى بدر الدين، ناجم عن قصف مدفعي قامت به الجماعات التكفيرية الموجودة في تلك المنطقة».
وقد أثار بيان حزب الله حول العملية الكثير من التساؤلات بدلاً من تقديمه الإجابات الشافية حول العملية، وهو ما ترك انطباعاً بأن بيان حزب الله لم يقل الحقيقة، بل قال ما يمكن أن يقال في ظل المعركة الدائرة في سوريا التي يشترك في القتال فيها دفاعاً عن النظام السوري، وحيث لم يعد الحزب قادراً على ضبط إيقاع تورطه في الشأن السوري بعد الدخول المباشر للحرس الثوري الإيراني في المعارك وتلقيه خسائر بشرية كبيرة هو والميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية، وهو ما يجعل من تورط الحزب في الشأن السوري قضية أكبر من قرار داخلي للحزب بالدفاع عن النظام السوري، حيث يظهر أن حزب الله أصبح جزءاً من المنظومة التي تستخدمها إيران للدفاع عن مصالحها في سوريا أولاً، وعن بقاء النظام السوري ثانياً، وهو الذي اعتبره مرشد الثورة الإيرانية خامئني خطاً أحمر، وبالتالي ان سقوط مصطفى بدر الدين في سوريا هو جزء من الثمن الذي يجب على الحزب ان يدفعه، ولذلك سارع حزب الله الى إعلان نتيجة التحقيق في مقتل مصطفى بدر الدين، وفضل اتهام «الجماعات التكفيرية» على اتهام العدوّ الإسرائيلي أو المخابرات الأميركية حتى لا يدخل في حسابات سياسية وعسكرية تتنافى والمصالح الإيرانية في المنطقة، خصوصاً بعد الاتفاق مع أميركا والغرب على رفع العقوبات عن إيران بعد توقيع الاتفاق حول المشروع النووي الإيراني.
أما بالنسبة إلى الحصار الأميركي المالي على حزب الله، الذي دخل حيز التنفيذ ابتداءً من 15 نيسان الماضي، وذلك تطبيقاً للقانون 2297 الصادر عن الكونغرس الأميركي حول «منع التمويل الدولي لحزب الله»، فإن حزب الله بعد قيام عدد من المصارف اللبنانية بإلغاء عشرات الحسابات لأعضاء ومناصرين في الحزب، ومنهم النائب نوار الساحلي، رأى أنه يجب القيام بحملة ترهيب لحاكم مصرف لبنان أولاً، وللمصارف اللبنانية ثانياً، على أمل أن تعدل المصارف اللبنانية من اجراءاتها بحق الحزب وحساباته في المصارف اللبنانية.
والخطوة الأولى التي قام بها حزب الله في هذا الاتجاه، إثارة الموضوع في الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء، حيث طالب وزيرا الحزب محمد فنيش وحسين الحاج حسن، باتخاذ موقف صارم من مجلس الوزراء حيال القرار الأميركي بملاحقة أفراد «حزب الله» عبر المصارف اللبنانية والعالمية، واعتبرا انه أمر خطير لا يجوز السكوت عنه.
إلا ان مجلس الوزراء لم يتجاوب مع هذا الطلب واكتفى بتكليف الرئيس سلام متابعة الموضوع مع وزير المالية علي حسن خليل وبالتعاون مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
ويبدو ان هذا الموقف الذي اتخذه مجلس الوزراء لم يعجب حزب الله، فقامت كتلة الوفاء للمقاومة بإصدار بيان اعتبرت فيه ان التعاميم التي أصدرها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وفقاً للقانون الأميركي «هي انصياع غير مبرر لسلطات الانتداب الأميركي النقدي على بلادنا... الأمر الذي يعرض البلاد لانهيار نقدي خطير ولفوضى عارمة غير قابلة للاحتواء» وأضافت أنها ترفع الصوت عالياً رفضاً لهذا القانون «لأنه يؤسس لحرب إلغاء محلية يسهم في تأجيجها المصرف المركزي وعدد من المصارف».
ورغم أن حزب الله فضل التصعيد في موقفه تجاه حاكم مصرف لبنان والمصارف اللبنانية، إلا أن المصارف اللبنانية رفضت هذه التهديدات وقالت في بيان لها إن «التزام المصارف القوانين اللبنانية والمتطلبات الدولية، بما فيها تطبيق العقوبات هو من المستلزمات الضرورية لحماية مصالح لبنان والحفاظ على ثروة جميع أبنائه» وأكدت انها جزءٌ لا يتجزأ من النظام المالي الدولي، وهو ما يفتح الباب على معركة مالية قاسية مع المصارف اللبنانية والبنك المركزي.
بالخلاصة، يمكن القول إن حزب الله بعد سنوات من التدخل العسكري في سوريا يواجه تحديات أمنية ومالية خطيرة وغير مسبوقة، فهل يستطيع مواجهة هذه التحديات أم يغرق أكثر فأكثر في المستنقع السوري؟