العدد 1434 / 28-10-2020

بعد عام على إستقالته من رئاسة الحكومة بسبب الحراك الشعبي في تشرين الاول من العام الماضي ، عاد الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة في عهد الرئيس ميشال عون رغم كل الخلافات التي حصلت بينهما ، وبينه وبين رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل .

وقد أحرق الحريري العديد من المرشحين وواجه حكومة الدكتور حسان دياب ، كي يعود مجددا الى رئاسة الحكومة بدعم فرنسي واقليمي ودولي ، وهو يراهن على نجاحه في تحقيق بعض الانجازات الداخلية والخارجية كي يستعيد دوره الفاعل في الواقع اللبناني ويعيد ترتيب تيار المستقبل بعد الاخفاقات التي واجهها طيلة السنوات الاخيرة.

فما هي الاسباب الحقيقية وراء عودة الحريري للحكم؟ وهل سيحقق انجازات مهمة في الفترة المقبلة؟ وماذا عن مستقبل تيار المستقبل في ظل الجهود المكثفة لاعادة ترميم اوضاعه بعد الانتكاسات الكثيرة التي تعرض لها خلال السنوات الاخيرة؟

الاسباب الحقيقية لعودة الحريري

هناك اسباب عديدة وراء عودة الرئيس سعد الحريري لترؤس الحكومة الجديدة ، منها يعود لاسباب داخلية وبعضها الاخر لاسباب خارجية.

فبعد عام على استقالته ، لايزال الرئيس سعد الحريري هو الشخصية الاقوى على الساحة السنية ، وقد نجح في احراق العديد من المرشحين لرئاسة الحكومة، كما ان حكومة الرئيس الدكتور حسان دياب لم تحقق الانجازات المطلوبة منها وقد واجهت ضغوطا داخلية وخارجية ، وكل ذلك جعل القوى اللبنانية الداخلية تعود لدعم عودته الى رئاسة الحكومة لانه الخيار الافضل بين جميع المرشحين .

لكن الاسباب الخارجية قد تكون هي الاقوى ، ومنها الدعم الفرنسي لعودته كي يتابع تنفيذ المبادرة الفرنسية، ولمواكبة البدء بمفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان والكيان الصهيوني ، و يحظى الحريري بعلاقة قوية مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وهو الذي ساهم بإنقاذه من السعودية عندما اعتقل هناك قبل عدة سنوات ، كما يحظى الحريري بدعم عدد من الدول العربية والاجنبية ومنها مصر والامارات العربية المتحدة والفاتيكان وروسيا وبريطانيا ، في حين ان اميركا وايران لم تعارضا عودته ، واما السعودية فلم تصدر اي موقف سلبي او ايجابي.

لكن هل سيستطيع الحريري تحقيق انجازات مهمة في الفترة المقبلة؟قد تكون مهمة الحريري صعبة جدا في هذه المرحلة القاسية بسبب الاوضاع السياسية والاقتصادية والمالية والصحية والاجتماعية التي يعاني منها لبنان ، لكن مهمة الحريري الاساسية وقف الانهيار والحصول على دعم مالي خارجي والبدء بعملية الاصلاح المالي والاقتصادي ، واذا حقق الحريري بعض هذه الخطوات فانه يكون قد نجح في اعادة تعويم موقعه ودوره الداخلي والخارجي.

تيار المستقبل الى اين؟

لكن الى اين يتجه تيار المستقبل في المرحلة المقبلة بعد عودة الحريري للحكم؟

بعد مرحلة من التراجع التي شهدها تيار المستقبل في السنوات الاخيرة ، فان عودة الرئيس سعد الحريري الى الحكومة ستؤدي الى اعادة تعويم التيار واعطائه بعض القوة كي يستعيد جزءا من دوره وموقعه الداخلي.

وقد تزامنت عودة الحريري للحكم مع عدة تطورات مهمة على صعيد التيار وعائلة الحريري ومنها :

اولا : القرار بالتحضير لعودة تلفزيون المستقبل الى بث برامجه السياسية ، وقد اشارت تقارير اعلامية الى ان هذه العودة تمت بدعم مالي من الامارات العربية المتحدة، لكن تيار المستقبل نفى ذلك ، وبغض النظر عن مصدر التمويل ، فان عودة التلفزيون لبث البرامج السياسية ، فان ذلك يشكل اشارة ايجابية لعودة دور التيار على الصعيد الاعلامي.

ثانيا : قرار بهاء الحريري (شقيق الرئيس سعد الحريري) بتجميد بعض نشاطات المنتديات الشبابية التي يدعمها في بعض المناطق اللبنانية، ورغم ان هذا القرار لا يعني تراجع بهاء الحريري عن نشاطاته السياسية والاعلامية في لبنان وهو احد المنافسين الاساسيين للرئيس سعد الحريري ، فان القرار بوقف دعم المنتديات التابعة لبهاء يشكل اشارة ايجابية لصالح تيار المستقبل.

ثالثا : تراجع بعض الحملات السياسية والاعلامية التي تعرض لها الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل من بعض الشخصيات والمؤسسات الاعلامية في الساحة الاسلامية السنية ، ولوحظ تسمية الوزير السابق نهاد المشنوق للرئيس سعد الحريري في استشارات التكليف ، وتخفيف المفكر الدكتور رضوان السيد من حملاته ضد الرئيس سعد الحريري ، ودعم نادي رؤساء الحكومات السابقين للرئيس الحريري ، وكل ذلك يؤكد ان تيار المستقبل لا يزال الطرف الاقوى على الساحة الاسلامية السنية رغم حدة التنافس والصراعات في هذه الساحة.

كل هذه المؤشرات تؤكد ان هناك فرصة جديدة امام تيار المستقبل من اجل اعادة ترميم اوضاعه وتفعيل دوره وموقعه على الصعيد السياسي والاعلامي والشعبي، لكن كل ذلك مرتبط بما سيحققه الرئيس سعد الحريري في الحكومة الجديدة والدعم الذي سيحصل عليه داخليا وخارجيا.

قاسم قصير