العدد 1367 / 26-6-2019
بسام غنوم

في خضم الصراعات السياسية المتفاقمة بين أهل السلطة في لبنان على مختلف الأصعدة برز اجماع لبناني لافت حول رفض "صفقة القرن" التي تعمل الادارة الأميركية على تسويقها في المنطقة باعتبار أنها الحل الأمثل للقضية الفلسطينية وللصراع العربي – الصهيوني .

وهذا الأسبوع كان لبنان على موعد مع أول مندرجات "صفقة القرن" وهو مؤتمر البحرين الاقتصادي الذي دعت الادارة الاميركية الدول العربية ولبنان الى المشاركة فيه باعتباره مقدمة اقتصادية للحل السياسي النهائي الذي تسعى اليه الادراة الأميركية من أجل حل القضية الفلسطينية .

وفي هذا الاطار كان هناك موقف لافت لرئيس مجلس النيابي نبيه بري الذي قال :"لن يكون لبنان واللبنانيون شركاء في بيع فلسطين يخطئ الظن من يعتقد ان التلويح بمليارات الدولارات يمكنه ان يغري لبنان" ، وكان سبق موقف الرئيس بري تأكيد وزير الخارجية جبران باسيل أن بيروت لن تشارك في مؤتمر البحرين الاقتصادي "لأن الفلسطينيين لن يشاركوا" ، وهذا الموقف الذي ابلغه الوزير باسيل الى الادارة الأميركية من المشاركة في مؤتمر البحرين وان كان أقل وضوحاﹰ من موقف الرئيس بري الا أنه يعكس توجهاﹰ لبنانياﹰ عاماﹰ يرفض المشاركة في "صفقة القرن" التي تعمل عليها الادارة الأميركية ، لما لذلك من تأثير مباشر على مجمل الوضع في لبنان ولا سيما على الصعيد الطائفي لأن جوهر صفقة القرن هو الغاء حق العودة للفلسطينيين في الشتات ، وتوطينهم في البلدان الموجودين فيها ولا سيما في لبنان والأردن وسوريا .

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل يكون لبنان رأس الحربة في مواجهة "صفقة القرن" التي تسعى الادارة الأميركية لتمريرها بعد الموافقة الضمنية عليها من قبل بعض دول الخليج العربي ؟

كشفت المواقف السياسية المعلنة من "صفقة القرن" ومن مؤتمر البحرين الاقتصادي الذي عقد في العاصمة البحرينية المنامة يوم الأربعاء الماضي أن هناك اجماعاﹰ لبنانياﹰ ليس على رفض صفقة القرن عبر المواقف السياسية ولكن أيضاﹰ عبر التحركات الشعبية .

فالرئيس نبيه بري قال بكل وضوح للادارة الأميركية وللدول المراهنة على سوء الأوضاع الاقتصادية في لبنان "لن يكون لبنان واللبنانيون شركاء في بيع فلسطين .. يخطئ الظن من يعتقد ان التلويح بمليارات الدولارات يمكنه ان يغري لبنان الذي يئن تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة على الخضوع او المقايضة على ثوابته غير قابلة للتصرف وفي مقدمتها رفض التوطين الذي سنقاومه مع الاشقاء الفلسطينيين بكل أساليب المقاومة الشرعية" .

والرئيس بري لا يكتفي بهذا الموقف السياسي من "صفقة القرن" بل هو يعمل منذ فترة طويلة على رأب الصدع بين القيادات الفلسطينية ولا سيما بين حركتي فتح وحماس على اعتبار ان وحدة الموقف الفلسطيني هو أقوى رد على "صفقة القرن" وعلى الحلول الهادفة الى تصفية القضية الفلسطينية .

بدورهم رؤساء الحكومات اللبنانية السابقون فؤاد السنيورة وتمام سلام ونجيب ميقاتي عقدوا اجتماعاﹰ خاصاﹰ لبحث مؤتمر البحرين و "صفقة القرن" واصدروا بياناﹰ مشتركاﹰ جاء فيه : "ان فلسطين لن تكون صفقة عقارية أو مالية أو اقتصادية" واعلنوا رفضهم التعامل مع القضية الفلسطينية بوصفها مشكلة عقارية أو اقتصادية أو مالية .

أما الرئيس الحص فاعتبر ان "عقد مؤتمر دولي في البحرين بمشاركة العدو المحتل لفلسطين وبغياب مدوّﱠ للفلسطينيين ، هو مؤتمر مستهجن ومدان ومرفوض" .

ولم تقتصر المواقف على المواقف الرسمية فقط فقد عقدت مجموعتا العمل اللبنانية والفلسطينية المكونة من الاحزاب اللبنانية والفصائل الفلسطينية اجتماعاﹰ مشتركاﹰ واصدروا بياناﹰ مشتركاﹰ اعتبروا فيه أن "ما تسرب من مضمون الصفقة بشقها السياسي هو مشروع تصفية كاملة للقضية الفلسطينية" وأكدوا على " الاستمرار بالتعاون لمواجهة مشاريع التوطين واجهاض حق الشعب الفلسطيني بالعودة الى أرضه" .

وفي اطار التحركات الشعبية اقامت حركة حماس بمشاركة الفصائل الفلسطينية والأحزاب اللبنانية اعتصاماﹰ شعبياﹰ حاشداﹰ امام مقر الاسكوا رفضاﹰ لمؤتمر البحرين و "صفقة القرن" .

باختصار ، لبنان الرسمي والشعبي ومعهم الفصائل الفلسطينية والفلسطينيون في لبنان يقفون صفاﹰ واحداﹰ في مواجهة "صفقة القرن" وكل مندرجاتها الاقتصادية وخصوصاﹰ ماجاء في مؤتمر البحرين الاقتصادي ، وهذا ما قد يرتب على لبنان ضغوطاﹰ سياسية كبيرة في المستقبل وأعباءﹰ اقتصادية ايضاﹰ لكنه بالنسبة الى لبنان واللبنانيين وكذلك الى الفلسطينيين قضية مصير وحياة او موت .

فهل يكون الموقف اللبناني الرسمي والشعبي ومعه الموقف الفلسطيني المسمار الاول في نعش "صفقة القرن" التي تعمل عليها الادارة الأميركية بالتعاون مع بعض دول الخليج العربي ؟

بسام غنوم