العدد 1451 /3-3-2021

في ظل الجمود السياسي الذي يغلف حركة المشاورات المتعلقة بملف تشكيل الحكومة ومع غياب المؤشرات عن اية حلول في الأفق القريب فيما يتعلق بالملف الحكومي تحركت الساحة اللبنانية في اطار المواقف السياسية المتنقلة بين الدعوة الى مؤتمر دولي لحماية لبنان لأن "هذا الحياد يمكّن لبنان من تجنّب الأحلاف والنزاعات والحروب إقليميًّا ودوليًّا، ويمكّنه أن يحصّن سيادته الداخليّة والخارجيّة بقواه العسكريّة الذاتيّة"، كما قال البطريرك الراعي في عظة الأحد التي تلت اللقاء الجماهيري الحاشد في بكركي الذي احتشد دعما لمواقف البطريرك الراعي من المؤتمر الدولي اولا ، و للتصويب على مواقف "حزب الله" ثانيا، حيث عبر الحشد الشعبي عن ذلك باطلاق الشعارت التي تتهم الحزب بالارهاب وهو ما أثار حفيظة "حزب الله" الذي رد على مواقف البطريرك الراعي والحشد الشعبي في بكركي عبر مقابلة تلفزيونية للنائب حسن فضل الله قال فيها : "البطريرك يعبر عن وجهة نظر مجموعة من الناس الذين اجتمعوا عنده بينما هناك فئات واسعة من الشعب اللبناني لا تؤيد وضع لبنان تحت وصاية دولية، ولا أحد يستطيع اختصار الشعب اللبناني بموقفه من أي قضية، فهو يمثل مرجعية لفئة من اللبنانيين وهناك مرجعيات أخرى لها تمثيلها ولكل منها دورها"، وأضاف: "اللعبة مكشوفة في لبنان هناك محاولة استهداف لرئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر في الشارع المسيحي لتحقيق مكاسب انتخابية، ولذلك يتم التصويب عليه تارة بشكل مباشر، وتارة أخرى على سلاح المقاومة لتحميله مسؤولية الأزمة المالية والاقتصادية وللقول للمسيحيين أن حليف التيار هو المسؤول عن معاناتكم".

والسؤال الذي يطرح نفسه في ظل هذا الخطاب السياسي المحتدم في البلد هو: لبنان الى أين بعد خطاب الراعي وموقف "حزب الله" ؟

بالبداية يجب السؤال عن الأسباب التي ادت الى انتقال الصراع السياسي حول تشكيل الحكومة من المشاورات بين الاحزاب والكتل النيابية الى الشارع حيث بدأ الاصطفاف يأخذ ابعادا طائفية وسياسية في ظل رفض الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر طروحات الرئيس المكلف سعد الحريري لتشكيل "حكومة مهمة" وفق المبادرة الفرنسية ، والسبب المعلن لهذا الرفض هو المحافظة على صلاحيات رئاسة الجمهورية وحماية حقوق المسيحيين كما يقول النائب جبران باسيل ، ورغم الجهود التي بذلها البطريرك الراعي طوال الفترة الماضية من أجل ايجاد حل لمشكلة تشكيل الحكومة عبر عقد لقاء بين الرئيسين عون والحريري من أجل الوصول الى حل وسط لمشكلة تشكيل الحكومة خصوصا في ظل معاناة اللبنانيين من الأزمة الاقتصادية الخانقة، وعدم وجود حكومة فاعلة، الا أن كل جهوده أصطدمت برفض الرئيس عون والتيار الوطني الحر لكل الحلول الممكنة وهذا ما دفع البطريرك الراعي الى رفع الصوت عاليا مطالبا بمؤتمر دولي من أجل حماية الكيان اللبناني كما قال ، وهذه الدعوة التي يعترض عليها "حزب الله" باعتبار انها تفتح المجال امام التدخلات الاجنبية في الشؤون اللبنانية الداخلية كما قال السيد حسن نصر الله الذي رد على البطريرك الراعي وعلى من يحمل الرئيس عون مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة بالقول: "سمعنا قبل أيام من أكثر من نائب وبعض الاوساط التي تتحدث وتهدد أنه إذا لم يوقع الرئيس ميشال عون على تشكيل الحكومة سنسعى للحصول على قرار دولي تحت الفصل السابع، ولصاحب هذا التصريح نقول ان هذا موقف مستهجن ومرفوض لأن أي كلام عن قرار دولي تحت الفصل السابع، وهو دعوة إلى الحرب واحتلال لبنان من قوات أجنبية". وأضاف: "لا أحد يمزح بهذا الموضوع، هذا موضوع أكبر بكثير من السجالات السياسية ذات الطابع المحلي". وشدد على انه "نرفض أي شكل من أشكال التدويل ونراه خطر على لبنان ومستقبله".

هذه المواقف السياسية للرئيس عون ول"حزب الله" هي المسؤولة عن وصول الأمور الى ما وصلت اليه سياسيا وشعبيا وهي التي تفتح الباب أمام التدخلات الأجنبية التي يكمن أن تجلب الويلات على لبنان ، ولذلك لابد من حلول سياسية داخلية في أسرع وقت ممكن حتى لايصل لبنان الى الأنفجار الكبير كما كان يحدث في الفترات السابقة من تاريخ لبنان الحديث بسبب اصرار البعض على أخذ لبنان رهينة لمواقفهم السياسية أولا، ولحساباتهم الطائفية والمذهبية ثانيا، ولارتباطاتهم الاقليمية ثالثا.

باختصار لبنان مهدد بأمنه واستقراره اذا استمرت الأمور على ماهي عليه من حالة الارتهان السياسي والانهيار الاقتصادي. فهل يدرك ممسكوا القرار في لبنان أن الاصرار على سياسة العناد وتجاهل الواقع لن يكون في مصلحتهم أولا وفي مصلحة لبنان واللبنانيين ثانيا ؟ نأمل ذلك .

بسام غنوم