العدد 1340 / 5-12-2018
بسام غنوم

طغت أحداث بلدة الجاهلية على ماعداها من اهتمامات في الساحة اللبنانية ، ولا سيما فيما يتعلق بالوضع الحكومي العالق نظرياﹰ عند عقدة تمثيل النواب السنة الستة المدعومين من "حزب الله" الذي مازال مصراﹰ على تمثيلهم في الحكومة رغم كل ما يمر به البلد من أزمات ، وخصوصاﹰ على الصعيدين الاقتصادي والمالي ، حيث أكد مجدداﹰ وزير المالية علي حسن خليل ان "الوضع الاقتصادي متراجع ومتدهور ، والوضع المالي في المنطقة يستوجب الكثير من الدقة في التعاطي معه" ، ويبدو ان التدهور الاقتصادي والتراجع المالي الذي يعيشه لبنان بسبب الأزمة الحكومية المتفاقمة لم يعد يكفي لفرض شروط سياسية ووزارية على الرئيس المكلف ، فتحرك الوضع الأمني على نحو خطير في منطقة الشوف الحساسة أمنياﹰ وطائفياﹰ فكانت العراضة المسلحة لعناصر وئام وهاب في المختارة قبل يوم من حادثة مقتل محمد ابو ذياب في بلدة الجاهلية ، والتي نجح الجيش اللبناني بتحركه السريع في استيعابها . ويبدو أن افشال عراضة مسلحي وئام وهاب لم يعجب البعض ، الذي يريد فرض واقع سياسي معين في الحكومة ، فجرى استغلال تحرك خاطئ لفرع المعلومات بقوى الامن كان يهدف الى ايصال تبليغ قضائي لوئام وهاب ، وتطورت الأمور الى حادث مؤسف في بلدة الجاهلية سقط نتيجته محمد ابو ذياب قتيلاﹰ على يد مجهولين حتى الساعة ، وهو ما فاقم الأمور سياسياﹰ وامنياﹰ بحيث تحول حادث الجاهلية المؤسف الى حدث أمني وسياسي كبير يجري استغلاله لضرب هيبة الدولة والقضاء اولاﹰ ، وهو ما أشار اليه النائب بلال عبدلله الذي غرد على موقع تويتر قائلاﹰ : "مجلس عزاء ام مناسبة لاعلان الانتصار على الدولة وهيبة القضاء" ، ولمحاولة فرض شروط فريق 8 آذار على الرئيس المكلف فيما يتعلق بتشكيل الحكومة ثانياﹰ وهو ما عبر عنه صراحة وبكل وضوح وئام وهاب في مقابلة على قناة الميادين حيث قال : "لدي شعور أن سعد الحريري لن يكون رئيساﹰ للحكومة" وأضاف : "المعادلة الحكومية تغيرت بخصوص الوزير الدرزي الثالث ، اما ان يكون المير طلال ارسلان أو من يسميه" ، والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل تدفع حادثة الجاهلية الأمور فيما يتعلق بتشكيل الحكومة الجديدة الى واقع شبيه بتحرك القمصان السود في 18 كانون الثاني عام 2011 ؟

للتذكير بما جرى في كانون الثاني 2011 ، حيث انتشر مسلحيون تابعون ﻠ "حزب الله" في شوارع بيروت مرتدين قمصاناﹰ سود من أجل اختيار الرئيس نجيب ميقاتي رئيساﹰ للحكومة بدلاﹰ من الرئيس سعد الحريري ، الذي الاطاحة به من باب قصر بعبدا عبر الوزير الملك عدنان السيد ، وفيما كان الرئيس الحريري يهم بالاجتماع بالرئيس باراك اوباما في البيت الابيض ، ومع ان الأكثرية النيابية في العام 2011 لم تكن مع فريق 8 آذار ، الا أن تحرك اصحاب القمصان السود في شوارع بيروت دفع أغلبية نيابية بلغت 68 نائباﹰ و من بينهم نواب "اللقاء الديمقراطي" برئاسة وليد جنبلاط للتصويت في المجلس النيابي على اختيار الرئيس نجيب ميقاتي لتولي الحكومة الجديدة بدلاﹰ من الرئيس سعد الحريري .

واذا قارنا ما جرى في العام 2011 من تحركات امنية وماتبعها من نتائج سياسية على الوضع الحكومي ، خصوصاﹰ ان القاسم المشترك فيها هو وليد جنبلاط ، نرى ان السيناريو الأمني – السياسي يعيد نفسه ، وهو ما عبر عنه وليد جنبلاط في تغريدة له على تويتر فقال : "جوابي للاخبار هو التالي : فهمنا أنه ممنوع ذكر ايران لا من قريب ولا من بعيد، فهمنا ان التعرض لعلي مملوك أيضاﹰ ممنوع ، فهمنا أنه كان يمكن ابلاغ وئام وهاب بغير طريقة ."

لكن رغم كل هذا الحراك السياسي والامني الذي بلغ ذروته في حفل عزاء ابو ذياب في الجاهلية يبدو الرئيس سعد الحريري غير مستعد – حتى الآن- للتراجع عن موقفه بخصوص عملية تشكيل الحكومة وتوزير نواب سنّة 8 آذار ، واذا استمر الرئيس سعد الحريري على موقفه الثابت والرافض لسياسة التهويل الأمني والسياسي ، بان الواقع السياسي اللبناني سيشهد تغييراﹰ جوهرياﹰ لناحية الحفاظ على اتفاق الطائف ، والتوازن بين مختلف الطوائف اللبنانية . فهل سيصمد الرئيس الحريري امام الضغوط المفروضة عليه ؟

بسام غنوم