العدد 1430 / 30-9-2020

دخلت الأزمة السياسية و الاقتصادية التي يعيشها لبنان في مسار جديد بعد فشل الرئيس المكلف مصطفى أديب في تشكيل حكومة وفق المبادرة الفرنسية التي اطلقها الرئيس ماكرون، وهو ما أدى الى إعلان الرئيس المكلف إعتذاره عن مهمته، وبذلك عادت الأمور الى المربع الأول رغم إعلان كافة القوى السياسية بدءاً من الرئيس عون مروراً بالرئيس الحريري وصولاً الى الرئيس نبيه بري تمسكهم بالمبادرة الفرنسية بإعتبارها تمثل السبيل الوحيد لإنقاذ لبنان في هذه الفترة الحرجة من تاريخه السياسي.

إلا انه ورغم إعلان كافة القوى السياسية الفاعلة تمسكها بالمبادرة الفرنسية رغم اعتذار الرئيس المكلف مصطفى أديب عن استكمال مهمته، كان للرئيس الفرنسي مانويل ماكرون سلسلة مواقف لافتة تجاه الطبقة السياسية اولاً، وتجاه الوضع في لبنان إجمالاً ثانياً، وذلك خلال مؤتمر صحافي عقده في باريس خصصه للحديث عن اسباب فشل مهمة مصطفى أديب ، و من هم المعرقلون وهنا قام الرئيس ماكرون بتسمية "حزب الله" وحركة أمل وقال: "لا حزب الله ولا حركة أمل يريدان التسوية، وعلى "حزب الله" ألا يعتقد أنه أقوى مما هو" ، وقام الرئيس ماكرون أيضاً بتسمية رؤساء الحكومة السابقين بإعتبارهم احد اسباب العرقلة فقال: "لم يكن هناك أي شرط طائفي في تشكيل الحكومة في الورقة الاصلاحية" وأضاف أن "الحريري أخطأ في المبادرة التي قدمها".

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل انتهت المبادرة الفرنسية، وما يجري هو مجرد لعب في الوقت الضائع ؟

تجمع القوى السياسية اللبنانية على أن المبادرة الفرنسية ما زالت قائمة رغم النكسة التي اصابتها بإعلان الرئيس المكلف مصطفى أديب إعتذاره عن تشكيل الحكومة الجديدة، وترى هذه القوى في المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس ماكرون رغم ما فيه من كلام قوي ومباشر وتحميل مسؤولية ما جرى تأكيد فرنسي على استمرار المبادرة ، وهو ما أشار إليه الرئيس ماكرون بالقول: " سأترك القوى السياسية التواصل مع بعضها البعض ، وأنا اعتبر هذا الفشل ليس لفرنسا، وانا لا اتحمل مسؤولية هذا الفشل " واضاف الرئيس ماكرون أنه سيجمع فريق الدعم الدولي للبنان للاتفاق على خارطة الطريق ، واذا لم يحصل أي تقدم سنطرح صيغة أخرى وتغيير الهيكلية السياسية في لبنان، وهذه مغامرة كبيرة، ومن الآن الى ستة أسابيع والشهر المقبل مفصلي.. وطالما أن القوى السياسية تتصرف على هذا النحو، لن تعود الأمور الى ما كانت عليه".

وتعتبر القوى السياسية الكبرى أن الرئيس ماكرون ما زال مستمراً في مبادرته الإنقاذية للبنان وهو اعطى القوى السياسية اللبنانية فرصة جديدة للوصول مجدداً الى تفاهمات سياسية تنقذ لبنان واللبنانيين من الأسوأ القادم في حال فشلت المبادرة الفرنسية مجدداً ، لأن البديل سيكون الحرب الأهلية كما قال الرئيس ماكرون " أو العودة الى حكومة من المستفيدين والمنتهزين ، حيث سيكون لكل فريق ممثل لخدمة مصلحته ومصلحة فريقه".

لكن هذه الاجواء السياسية الايجابية نوعاً ما والتي تبدي حرصاً مبالغاً فيه على المبادرة الفرنسية تخفي أموراً أخرى مرتبطة بالحسابات السياسية للقوى الاقليمية والدولية الراعية والمؤثرة على القوى السياسية اللبنانية .

فحزب الله الذي هو جزء لا يتجزأ من المنظومة الإيرانية في المنطقة يراهن بوضوح وبكل صراحة على نتائج الانتخابات الاميركية في شهر تشرين الثاني القادم من أجل أن يبنى على الشيء مقتضاه سواء فيما يتعلق بالشأن اللبناني الداخلي او بالنسبة للصراع الأميركي – الإيراني في المنطقة، وفي نفس الوقت تريد باثي القوى السياسية اللبنانية الانتظار لمعرفة اتجاهات الحلول في المنطقة، سواء فيما يتعلق بصفقة القرن وعمليات التطبيع بين العدو الصهيوني و الدول العربية التي تقودها إدارة ترمب، واحتمال قدوم إدارة جديدة قد تكون لها توجهات مختلفة سواء في لبنان او في المنطقة.

بإختصار ما يجري في لبنان بعد الفشل الأولي للمبادرة الفرنسية هو لعب في الوقت الضائع، بإنتظار نتائج الانتخابات الأميركية، فهل يستطيع لبنان واللبنانيون تحمل هذا الإنتظار؟

بسام غنوم