بسام غنوم

ماذا يجري في كواليس عملية تشكيل الحكومة الجديدة؟ سؤال يسأله كثير من اللبنانيين في ظل حركة الاتصالات التي يجريها الرئيس المكلف سعد الحريري، حيث تطفو على السطح خلافات كبيرة في ما يتعلق بالحقائب الوزارية المطلوبة من هذا الفريق أو ذاك، وهذا شيء طبيعي عند كل عملية لتشكيل حكومة جديدة، لكن أن تتحول عملية تشكيل الحكومة الجديدة الى صراع سياسي يستهدف العهد والرئيس ميشال عون ورئيس تياره جبران باسيل، فهذا أمر آخر يترك الكثير من التساؤلات حول أسباب هذا الاستهداف وخلفياته.
فهل هو مرتبط بالعلاقة القائمة بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية أو ما يعرف بتفاهم معراب؟ أم هو على علاقة برغبة حزب الله أو ما يعرف بالثنائي الشيعي، أي أمل وحزب الله في إرساء قواعد جديدة في تشكيل الحكومات في لبنان؟
لكن قبل هذا وذاك، هل استهداف العهد الجديد والعماد عون ورئيس تياره جبران باسيل بهذه الشدة والقسوة هو من أجل أن تكون فترة رئاسة العماد عون شبيهة بفترة رئاسة العماد إميل لحود؟
هذه الأسئلة وغيرها كثيرة تثيرها الحملات الإعلامية المركزة التي تستهدف العهد الجديد والعماد عون وتياره السياسي والتي تتحدث عن أنه ما كان بالإمكان ان يصل ميشال عون الى رئاسة الجمهورية لولا وقوف «حزب الله» خلفه منذ اللحظة الأولى لفراغ كرسي رئاسة الجمهورية.
إلا أن اللافت في هذه الحملات التي ترافق عملية المشاورات الجارية لتأليف الحكومة الجديدة أنها تستثني الرئيس المكلف سعد الحريري لأنه «أوضح من الواضح في خياراته الاستراتيجية الى جانب السعودية وكل المحور الذي تمثله في ساحات المنطقة».
والسؤال الذي يطرح نفسه في ظل عمليات الابتزاز السياسي التي ترافق مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة هو: هل المطلوب حكومة وحدة وطنية تمثل كل لبنان أم حكومة غالب ومغلوب في لبنان؟
قد يبدو هذا السؤال مستفزاً للبعض، لكن عمليات الابتزاز السياسي القائمة في المشاورات السياسية التي يجريها الرئيس المكلف سعد الحريري لا تترك أبداً أي شك في هذا المجال.
فالرئيس سعد الحريري أعلن قبل أسبوع من على باب قصر بعبدا انه متفاهم على كل شيء مع الرئيس ميشال عون، وعندما سئل عمَّن يعطل تشكيل الحكومة قال: «المعطل معروف»، وهو ما دفع الرئيس بري الى القول إن المعطل هو من يخالف الأعراف والدستور في عملية تشكيل الحكومة.
وهذا الأسبوع وبعد زيارته لقصر بعبدا قال الرئيس سعد الحريري: «جئنا للتشاور مع فخامة الرئيس في شأن الحكومة، ونحن متفاهمون على كل الأمور، وثمة بعض العقبات».
وسئل إن كان قد قرأ موقف الرئيس نبيه بري، فأجاب: «نحن مع الرئيس بري ظالماً أو مظلوماً».
بدوره رد الرئيس بري على موقف الرئيس الحريري الجديد بوجوب تشكيل «حكومة وحدة وطنية بالفعل والعمل وليس بالأسم والشعار فقط، ومن هنا يجب أن تحترم هذه القواعد لكي تكون لنا حكومة سريعة»، وأضاف: «الأمور ما زالت على حالها».
هذه الصورة السياسية لعملية تشكيل الحكومة الجديدة تكشف أن «حزب الله» يريد ما هو أكثر من عملية تشكيل تقليدية كما كان جارياً في ما بعد تطبيق اتفاق الطائف، وأنه يريد للحكومة الجديدة أن تعكس نفوذ الحزب السياسي والعسكري سواء في لبنان أو في المنطقة، وهو ما أشار إليه رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» هاشم صفي الدين الذي تحدث أن حزب الله وإيران وفريقهم يوشك الإطباق على حلب الشرقية «ومن بعد ذلك ستتغير المعادلات، لا فقط في سوريا بل في كل المنطقة، وستكون بداية نهاية الحرب العالمية التي شنت على سوريا والمقاومة».
وهذا الموقف الذي أعلنه «حزب الله» من خلال ربطه معركة حلب بتغيير المعارك في المنطقة، ومنها بالطبع لبنان، يؤكد أن هناك عملية سياسية جارية في المنطقة، ولبنان جزءٌ منها، تهدف إلى تغيير وجه المنطقة سياسياً بما يتناسب مع ما يجري في سوريا والعراق واليمن.
ولذلك تبرز التعقيدات السياسية في وجه تشكيل الحكومة، وفي عملية استهداف العماد عون وفريقه السياسي، لأن حزب الله يريد من العماد عون أن يكون جزءاً من هذا الفريق أو ما يسمى محور «المقاومة والممانعة»، وان يتماهى مع سياسات وتوجهات هذا الفريق في الصغيرة والكبيرة، لا أن يكون في موقع وسطي تبعاً لموجبات التفاهم مع معراب وبيت الوسط.
باختصار، «حزب الله» يريد من العهد الجديد أن يكون مثل عهد العماد إميل لحود، سواء عبر التزامه محور «المقاومة والممانعة» أو عبر المناكفة السياسية لمواقف وتوجهات رئيس الحكومة كما كانت العلاقة بين الرئيس لحود والرئيس الراحل رفيق الحريري. وهذا يعني أن الحكومة الجديدة يجب أن تكون حكومة وحدة وطنية بمفهوم «غالب ومغلوب»، والغالب هو محور إيران و«حزب الله»، والمغلوب هو محور السعودية وتيار المستقبل.
فهل يكون تشكيل الحكومة على هذا الأساس في ضوء معركة شرقي حلب، أم أن الأمور ستأخذ منحىً آخر في قابل الأيام؟