العدد 1346 / 23-1-2019
قاسم قصير

برزت خلال الاسبوعين الاخيرين ظاهرة اللقاءات الطائفية والمذهبية تحت عناوين مختلفة، ففي بكركي انعقد اللقاء الماروني لبحث الاوضاع السياسية في لبنان ، وفي دار الفتوى انعقد المجلس الشرعي الاسلامي من اجل تأكيد دعم رئيس الحكومة سعد الحريري في مواجهة التحديات المختلفة، وفي المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى انعقد اجتماع طارىء للهيئتين الشرعية والتنفيذية لرفض دعوة ليبيا للقمة العربية واعادة التذكير بقضية اختطاف الامام موسى الصدر، وفي مقر طائفة الموحدين الدروز انعقد المجلس المذهبي الدرزي لبحث شؤون الطائفة واعادة ترتيب اوضاعها الداخلية.

كل هذه اللقاءات تؤكد ازدياد الاتجاهات الطائفية والمذهبية في ظل استمرار الازمة الحكومية ، وتراجع دور الدولة الواحدة والموحدة، فهل نتجه للمزيد من الانقسامات والصراعات الطائفية؟ ام يكون اللقاء الوطني الشامل والحوار الوطني هو طريق الخلاص من الازمات القائمة؟

اللقاءات الطائفية والمذهبية

بداية ماهي اسباب ازدياد وتيرة اللقاءات الطائفية والمذهبية في هذه المرحلة؟

رغم ان بعض اللقاءات الطائفية والمذهبية تتم بشكل دوري وروتيني لتحديد بعض المواقف من الاوضاع العامة والسياسية ، فان من الواضح ان ازدياد اللقاءات ذات الاتجاه الطائفي والمذهبي تزداد وتيرتها في ظل ازدياد الصراعات الداخلية وتراجع دور الدولة ومؤسساتها الواحدة.

واليوم في ظل الازمة الحكومية المستمرة ، وتراجع التنسيق والتعاون بين الرؤساء الثلاثة وعدم انعقاد مجلس الوزراء ، فان الساحة تخلو للقيادات الدينية والروحية كي تعلن مواقفها وتضع الخطوط الحمر للدولة ومؤسساتها.

ولبنان اليوم يعيش حالة من الفوضى السياسية والمزيد من الازمات الاقتصادية والاجتماعية ، وتنتشر حالة الخوف والقلق لدى المواطنين من انهيار البلد والعودة الى الصراعات المفتوحة ، كل ذلك يدفع المؤسسات الطائفية والمذهبية كي تتولى ادارة شؤون طوائفها والوقوف خلف الزعامات السياسية التي تواجه تحديات مختلفة.

ومع ان بعض القيادات الروحية تبرر الدعوة لعقد هذه اللقاءات من اجل المساهمة في حل الازمات او اعلان المواقف الوطنية ، فمن الواضح ان هذه اللقاءات تزيد الشرخ الداخلي وتساهم في تصاعد الصراعات والازمات ، وقد تركت آثارها على الاجواء العامة في البلد ، حيث اصبحت كل طائفة او كل مذهب ينظران للاوضاع من زاوية طائفية او مذهبية ، وليس من منظور وطني شامل.

الحوار الوطني هو البديل؟

لكن ماهو البديل عن اللقاءات الطائفية والمذهبية في هذه المرحلة الصعبة؟

العلامة السيد علي فضل الله قال في موقف له في خطبة الجمعة:" شهدنا في الأيام الفائتة أكثر من لقاء أو اجتماع يحمل طابعاً طائفياً أو مذهبياً، حيث تجتمع رموز هذه الطائفة أو تلك لدراسة التحدّيات المحيطة بها أو بالبلد، ونحن نرى أنّ هذه اللقاءات هي شيء طبيعي إيجابي، بالنظر إلى حاجة كلّ فريق لتقويم الأوضاع ودراسة ما يجري، من خلال استشراف الرأي وفق مروحة واسعة داخل هذه الطائفة أو تلك، ولكنّنا كنا ــ ولانزال ــ نتطلّع إلى أن تكون مثل هذه اللّقاءات مناسبة لإجراء النقد الذاتي، ومراجعة الإيجابيّات والسلبيّات في مجرى الحركة السياسية، بحيث تكون وحدة الطائفة لحساب وحدة البلد وقراراته، لإخراجه من أزماته، بعد أن بات واضحاً أنّ حقوق كلّ طائفة ومذهب لن يتمّ تحصيلها إلا بضمان حقوق بقيّة الطوائف والمذاهب، وهو الأمر الذي لا يتحقّق لا بالثلث المعطّل، ولا بالاستئثار، ولا بأن يأخذ أيّ فريق البلد لحسابه.لذا، فإننا نأمل أن تتوَّج هذه اللقاءات بمؤتمر وطني عامّ، يجمع كلّ الرموز والطاقات الوطنيّة، ويتمّ البحث فيه عن مخارج حقيقيّة للأزمتين السياسية والاقتصادية".

ما قاله السيد علي فضل الله يلخص ازمة البلد القائمة اليوم ، فاللقاءات الطائفية والمذهبية لا يمكن لها ان تساهم في اخراج البلد من ازماته ، بل انها في بعض الاحيان تعمق الازمات وتقويها ، وفي كل بلاد العالم ، عندما تعاني من ازمة وطنية او خلاف سياسي او محنة اقتصادية واجتماعية يتم الذهاب لعقد لقاء وطني او حوار وطني شامل للبحث عن حلول عملية لهذه الازمات ، ولبنان اليوم بأمس الحاجة الى مثل هذا الحوار سواء لمعالجة الازمة الحكومية او لوضع خارطة طريق للخروج من الازمات المختلفة.

ان عقد اللقاءات الطائفية والمذهبية لن يحل مشكال الطوائف والمذاهب بل يزيد من انكشاف هذه الازمات وتوسعها، وان لجوء كل طائفة او مذهب للتعاطي مع الاحداث والتطورات بمنظار مذهبي او طائفي لن يصل الى اية نتيجة عملية بل يكرس الانقسام والتفتيت ، ولبنان بحاجة لحوار وطني شامل للبحث بكل الازمات والا فسنواجه المزيد من الانقسامات والازمات.

قاسم قصير