بسام غنوم

عادت أجواء المراوحة لتحكم عملية المشاورات التي يجريها الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة. فبعد أجواء التفاؤل النسبية التي سادت الأسبوع الماضي حول قرب ولادة الحكومة بعدما قيل إن الاتفاق على الحصص الوزارية قد أُنجز، وإن المشاورات التي يجريها الرئيس المكلف دخلت مرحلة توزيع الحقائب الوزارية على القوى والأحزاب السياسية، وقد تعززت هذه الأجواء بعد لقاء الرئيس سعد الحريري مع الرئيس بري في عين التينة، ومن ثم التقى الوزير جبران باسيل على مدى ساعتين في بيت الوسط، وهو ما عزز أجواء التفاؤل على أكثر من صعيد، خصوصاً مع إعلان الرئيس سعد الحريري أن ولادة الحكومة «أصبحت قريبة جداً».
إلا ان كل هذه الأجواء الايجابية حول قرب ولادة الحكومة تبددت بقدرة قادر مع استمرار رفض «التيار الوطني الحر» اعطاء حزب القوات اللبنانية حقيبة سيادية أو منصب نائب رئيس الحكومة، مع موافقته على إعطاء «القوات اللبنانية» أربعة مقاعد وزارية، وهو ما رفضته القوات جملة وتفصيلاً لأنها اعتبرته بمثابة التفاف على «تفاهم معراب». وغير بعيد عن العقدة المسيحية المستحكمة ما زالت العقدة الدرزية على حالها لناحية إصرار رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي على حصر التمثيل الدرزي بـ«اللقاء الديمقراطي» ورفضه أي صيغة وسط على مطلبه بالمقاعد الدرزية الثلاثة في الحكومة العتيدة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا عادت المراوحة الحكومية إلى المربع الأول، وتبددت أجواء التفاؤل التي أُشيعَت؟
بعد لقاء الرئيس المكلف سعد الحريري مع الرئيس نبيه بري في عين التينة سادت أجواء إيجابية حول قرب ولادة الحكومة، وكان لقاء للوزير جبران باسيل مع الرئيس نبيه بري في عين التينة أيضاً سبق اللقاء مع الرئيس الحريري، وتلا لقاء الرئيس الحريري مع الرئيس بري لقاء استمر ساعتين في بيت الوسط بين الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل، وجرى تفسير هذه اللقاءات بأنها مقدمة لولادة وشيكة للحكومة، خصوصاً مع إعلان الرئيس سعد الحريري أن ولادة الحكومة «أصبحت قريبة جداً».
وترافقت هذه الأجواء التفاؤلية مع حركة سياسية ناشطة تجاه «بيت الوسط» و«عين التينة» من قبل حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي وهو ما اعتبره البعض مؤشراً على حصول تطور إيجابي في ما يتعلق بالشأن الحكومي.
لكن مع توسّع الأجواء الإيجابية وانتشارها حول حلحلة ما في ما يتعلق بالعقدة المسيحية لناحية الموافقة على إعطاء «القوات اللبنانية» أربعة مقاعد وزارية، برز إصرار الوزير جبران باسيل على رفض إعطاء القوات حقيبة وزارية أساسية، ودخل أيضاً على الخط تمسك التيار الوطني الحر بتوزير النائب طلال ارسلان بحجة عدم حصر التمثيل الطائفي بفئة أو بحزب معين، وتحدثت الأنباء عن دخول سوري على خط تشكيل الحكومة الجديدة عبر الإصرار على توزير النائب طلال ارسلان وأيضاً عبر توزير النواب السُّنة المستقلين والمعارضين لتيار المستقبل، وهو ما دفع الوزير مروان حمادة الى القول: «إن العقدة الوحيدة هي سوريا، بالضغط على بعض الأطراف في الحكومة للضغط على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من أجل إدخال النائب طلال ارسلان الى الحكومة». وأكد الوزير حمادة انه «يمكن تشكيل الحكومة قريباً إذا جرى التسليم بمنح حصرية التمثيل الدرزي للحزب التقدمي الاشتراكي، ومنح حقيبة سيادية ضمن حصة القوات اللبنانية».
وقد تزامنت هذه المواقف مع عودة «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» وفريق 8 آذار الى نغمة معيار التمثيل في الحكومة، فقال النائب إبراهيم كنعان إن «من حق كل طرف السعي الى تمثيل حكومي يوازي حجمه النيابي»، ورأى رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد «أن موضوع تشكيل الحكومة يدور في الحلقة المفرغة، وربما تحدث رئيس الحكومة سعد الحريري عن ضرورة اعتماد آليات صريحة واضحة، تلزم الجميع ويعتمدها في تمثيل الكتل النيابية كلها».
في المقابل، ردت أجواء الرئيس المكلف على هذه المواقف الداعية الى اعتبار نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة كمعيار للتمثيل في الحكومة بالتذكير بنتائج انتخابات عام 2009 النيابية التي فازت بها بالأكثرية قوى 14 آذار، ومع ذلك كان المعيار حول التمثيل الذي يحفظ وحدة البلد واستقراره وليس نتائج الانتخابات.
وترى مصادر الرئيس المكلف سعد الحريري أن محاولة فرض معايير على الرئيس الحريري إنما تدخل في إطار الانقلاب على اتفاق الطائف وعلى صلاحيات رئاسة الحكومة.
باختصار، الوضع الحكومي يدور في حلقة مفرغة، والمراوحة سيدة المواقف، والوضع أقرب إلى سياسة «عض الأصابع»، فمن يصرخ أولاً؟}
بسام غنوم