العدد 1390 / 11-12-2019

عود على بدء , هكذا يمكن اختثار الوضع السياسي بعد اعلان المهندس سمير الخطيب عزوفه عن قبول ترشسحه لرئاسة الحكومة الجديدة بعد تبليغه رفض دار الفتوى لهذا الترشيح ، وبعدما تبين له ان الاستمرار في ترشيحه سوف يرتد سلباﹰ على شركته واعماله الخاصة التي لها مؤسسات وفروع في لبنان ومختلف الدول العربية .

واذا كان اعتذار المهندس الخطيب قد اعاد خلط الأمور مجدداﹰ على الساحة السياسية فانه طرح تساؤلات عن طبيعة المناورات السياسية التي يشترك فيها معظم الطبقة السياسية الحاكمة .

فالثنائي الشيعي ومعهم التيار الوطني الحر يريدون حكومة لاعلاقة لها من قريب او من بعيد بكل ما طالبت وتطالب به الانتفاضة الشعبية منذ 17 تشرين اول الماضي ، ونموذج المهندس الخطيب وطريقة اختياره وطبيعة المشاورات والشروط التي فرضها عليه الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر يؤكد ذلك بكل صراحة ووضوح .

اما الرئيس سعد الحريري فيبدو كمن يلعب الشطرنج في المفاوضات واللقاءات التي يجريها مع ممثلي الثنائي الشيعي وكذلك مع المرشحين المحتملين لرئاسة الحكومة ، فمن جهة يبدي مرونة في المشاورات والتصريحات والترشيحات كما جرى مع الوزير الصفدي والمهندس الخطيب ومن جهة اخرى يقول "كش ملك" لكل المرشحين لرئاسة الحكومة عندما يدرك ان هذا الترشيح يمكن ان يمر بفعل الغالبية النيابية التي يتمتع بها الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر في المجلس النيابي ، وهو بذلك يعلن انسحابه فعليا من التسوية السياسية التي حكمت لبنان منذ مجيء الرئيس عون الى رئاسةالجمهورية في شهر تشرين اول 2016 ، وفي الوقت نفسه يؤكد للفريق الشيعي والرئيس عون انه الاقوى في طائفته ولذلك فالامر لي فيما يتعلق بموقع رئاسة الحكومة .

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل تمتد فترة تصريف الأعمال في ظل حالة الانسداد القائمة حالياﹰ ؟

أكدت عملية فشل الاستشارات النيابية التي كانت مقررة يوم الاثنين الماضي لاختيار المهندس الخطيب رئيساﹰ جديداﹰ للحكومة بالشكل والمضمون ان الصراع السياسي بين القوى السياسية اصبح مثلث الاضلاع ، فمن جهة يبدو فريق الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر مربكاﹰ بعد فشل محاولاته لتخطي مرجعية الرئيس سعد الحريري ، ومن جهة اخرى يبدو ان هذا الفريق قد وقع في الفخ لناحية انه المسؤول الاول والاخير عن الفساد المستشري في البلد وعن حالة الانهيار الاقتصادي التي يمر بها لبنان في هذه الايام ، وقد كان للكلمة التي القاها المطران الياس عودة في ذكرى اغتيال جبران تويني والتي قال فيها : "ان هذا البلد يحكم من شخص كلكم تعرفونه ومن جماعة تحكمنا بالسلاح ، شخص يرجع الى الله ولا يرجع الى الاعلى منه" واضاف متسائلاﹰ "هل نعيش في جمهورية اصنام ام دمى؟" كان لهذا الكلام وقع الصاعقة على "حزب الله" والتيار الوطني الحر ، وهو ما دفع برئيس كتلة الوفاء للمقاومة الى الرد بالقول :"هناك من يطلع ليقول ان البلد يحكم من رجل واحد وبقوة السلاح ... لكن هذا الكلام يصدر عمن يجهل الاسباب الحقيقية للأزمة ويحاول ان يبرر استهداف المقاومة في لبنان وهذا الكلام ليس بريئاﹰ ومن يقوله ليس بريئاﹰ" .

اما الضلع الثنائي في المعادلة السياسية القائمة فهو الرئيس سعد الحريري الذي يبدو مختلفاﹰ عن السابق لناحية ادارته للخلاف السياسي مع "حزب الله" وحركة امل والتيار الوطني الحر ، وكذلك مع القوى السياسية في الساحة السنية حيث يبدو الرئيس الحريري كمن اتقن سياسة اللعب على الحبال سواء في مشواراته ولقاءاته مع ممثلي الثنائي الشيعي وكذلك مع الساحة السنية حيث نجح في تأكيد قاعدة "انا أولا احد" ، وفي نفس الوقت يتبين مطالب الحراك الشعبي لناحية حكومة الاختصاصيين واحراء انتخابات نيابية مبكرة وفق قانون جديد . باختصار يبدو ارئيس الحريري كأنه ولد سياسيا من جديد وفق معايير ومواقف جديدة بعيدة كل البعد عن فترة التسوية الرئاسية التي اوصلت لبنان الى الهاوية .

اما الضلع الاخير من اللعبة السياسية القائمة فهو الحراك الشعبي الذي يمثل بموافقة ومطالبه ورغبات وتمنياتا وآمال غالبية الشعب اللبناني ، وهو مازال رغم كل المحاولات الجارية من الطبقة السياسية الحاكمة لتدجينه فاعلا وقويا وكان له دور مباشر في افشال ترشيح الخطيب لرئاسة الحكومة ، وبالتالي فان اي رئيس حكومة جديد لايمكنه تجاهل الحراك الشعبي ومطالبه التي تحظى بتأييد كبير من اللبنانيين وكذلك من الجهات الدولية الداعمة للبنان .

باختصار ، الازمة السياسية القائمة والتي تترافق مع انهيار اقتصادي مازالت بعيدة عن الحل ، وبالتالي فان عمر حكومة تصريف الاعمال قد يمتد لشهور طويلة ، وهذا ليس في صالح لبنان واللبنلنيين . فهل كتب على لبنان أن يبقى اسيراﹰ للحروب والفتن ؟

بسام غنوم