قاسم قصير

تصاعدت في الأيام الماضية حدّة التهديدات الإسرائيلية للبنان وحزب الله، وقد وصلت هذه التهديدات على لسان بعض المسؤولين الإسرائيليين للإعلان «ان الجيش الإسرائيلي سيعيد لبنان إلى القرون الوسطى إذا اندلعت مواجهة جديدة مع لبنان وحزب الله».
وتزامنت هذه التهديدات مع تصعيد الغارات الإسرائيلية على سوريا عبر استهداف مراكز ومنشآت ومعدات عسكرية قرب مدينة حمص، وادعى الإسرائيليون «أن هذه الغارات استهدفت شحنات أسلحة لحزب الله».
وقام جيش النظام بالرد على هذه الغارات عبر اطلاق صواريخ مضادة للطائرات، وأعلن السوريون أنهم أسقطوا إحدى الطائرات الإسرائيلية وأصابوا طائرة أخرى، لكن الإسرائيليين نفوا ذلك، وان كان الجيش الإسرائيلي قد اعترف بسقوط صواريخ سورية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
هذه التطورات أثارت الكثير من الأسئلة والتوقعات حول احتمال تطور المواجهات الى حرب شاملة في لبنان والمنطقة، إضافة إلى تصعيد التهديدات المتبادلة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي.
فما هي حقيقة الأوضاع على الجبهتين اللبنانية والسورية، وهل يمكن ان تتطور المواجهات الى حرب شاملة، أم أن التصعيد العسكري سيبقى محدوداً ويقتصر على الأراضي السورية؟
حقيقة الأوضاع العسكرية
بداية ما هي حقيقة الأوضاع العسكرية على صعيد الجبهتين اللبنانية والسورية في مواجهة الجيش الإسرائيلي؟
تقول مصادر مطلعة في بيروت إنه في خلال الأسابيع الأخيرة وصلت معطيات دقيقة الى قيادة المقاومة في لبنان حول تصعيد التحضيرات الإسرائيلية في شمال فلسطين وعلى الجبهة الجنوبية، ما يعني احتمال شنّ الجيش الإسرائيلي عدواناً جديداً على لبنان وحزب الله، وانه في ضوء هذه المعطيات عمدت قيادة المقاومة الإسلامية الى إعلان الاستنفار العام بين صفوف المجاهدين والقيام بمناورة عسكرية غير معلنة في الجنوب. وأطلق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله تهديدات واضحة للكيان الصهيوني «من ان أي استهداف للبنان سيكون الرد عليه عبر قصف مفاعل ديمونا»، بعد ان كان السيد نصر الله قد هدد بقصف «حاويات الأمونيا» في ميناء حيفا، التي إذا أصيبت فقد تتحول الى ما يشبه القنبلة النووية.
وقد عمد الإسرائيليون الى افراغ «حاويات الأمونيا» في ميناء حيفا، وأطلق المسؤولون الإسرائيليون تهديدات قاسية للبنان وحزب الله، ورد رئيس الجمهورية اللبناني العماد ميشال عون بأن أي عدوان على لبنان سيواجهه الجيش اللبناني بقوة.
وأوضحت المصادر المطلعة: ان التهديدات التي أطلقها السيد نصر الله والاجراءات التي اتخذتها قيادة المقاومة على الصعيد الميداني أدت إلى لجم التهديدات الإسرائيلية على الجبهة اللبنانية، لكن ذلك لم يوقف التصعيد الإسرائيلي ضد حزب الله، وجاءت الغارات الإسرائيلية على سوريا والإعلان أنها استهدفت شحنات أسلحة لحزب الله في سوريا، كرسالة واضحة من الكيان الصهيوني بأنه سيستمر بالغارات ضد سوريا، وانه ليس هناك خطوط حمراء في هذا الاطار، ولا سيما ان هذه الغارات أتت بعد زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتن ياهو لموسكو.
وإن كان رد الجيش السوري على الطائرات الإسرائيلية وسقوط صواريخ سورية متطورة داخل الكيان الصهيوني قد شكَّل مفاجأة مدوية للمسؤولين والمحللين الإسرائيليين، فهذا يعني أن أي هجوم إسرائيلي جديد على سوريا سيواجه أيضاً بردود عسكرية مماثلة.
إلى أين تتجه الأوضاع؟
لكن إلى أين تتجه الأوضاع العسكرية في المرحلة المقبلة؟ وهل ستقتصر المواجهة على الجانب السوري أم ستمتد الأوضاع الى الجبهة اللبنانية؟
تقول المصادر المطلعة: ان أجواء التصعيد الإسرائيلي ضد لبنان وسوريا تنطلق من معطيات ميدانية حقيقية، وان كانت الأولوية لدى الإسرائيليين اليوم استهداف المناطق السورية نظراً إلى تنامي دور حزب الله في سوريا وحصول الحزب على أسلحة متطورة، وان الجيش الإسرائيلي يعمل بشكل أساسي على منع وصول هذه الأسلحة الى حزب الله وإلى منع الحزب وحلفائه من فتح جهة الجولان في المستقبل وإلى السعي للحد من تنامي الدور الإيراني في سوريا.
وأما على صعيد الجبهة اللبنانية فتقول المصادر: «ان التهديدات الإسرائيلية قد تراجعت نسبياً، لكن ذلك لا يعني أن احتمال حصول عدوان جديد على لبنان غير مستبعد كلياً، ولذا فالمطلوب الاستمرار في الاستعدادات والتحضيرات لمواجهة أي عدوان جديد، وإن كان الإسرائيليون يدركون ان أي حرب على لبنان لن تكون نزهة، خصوصاً مع امتلاك حزب الله لقدرات عسكرية متطورة».
وتتابع المصادر: إننا نمر حالياً في مرحلة حساسة ودقيقة، سواء على صعيد الجبهة السورية أو الجبهة اللبنانية، والإسرائيليون يعبِّرون عن قلقهم ومخاوفهم من تنامي القدرات العسكرية لدى حزب الله، كما ان قيام الجيش السوري بالرد على الغارات الإسرائيلية الأخيرة سيدفع الجيش الإسرائيلي إلى اتخاذ اجراءات جديدة تأخذ بالاعتبار احتمال تحول أي عمل عسكري يستهدف سوريا، الى مواجهة شاملة قد تبدأ في سوريا وتمتد الى لبنان ومناطق أخرى.
وتختم المصادر بالقول: ان التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان وسوريا وحزب الله ستستمر في المرحلة المقبلة، وقد يلجأ الإسرائيليون إلى القيام بعمليات عسكرية محدودة لمنع حزب الله من الحصول على أسلحة متقدمة، وان كانت هذه العمليات قد تُواجه برد فعل عسكري سوري أو من حزب الله، ما يعني ان الأوضاع في المرحلة المقبلة ستظل متوترة، وان كانت لا مصلحة لأي طرف الآن بتحويل المواجهات المحدودة إلى حرب شاملة، لكن ذلك لا ينفي الحاجة للاستعداد والتحضير لكل الاحتمالات.