قاسم قصير

يواجه التيار الوطني الحر هذه الأيام تحدياً جديداً يتمثل في كيفية التعاطي مع الأصوات المعارضة الداخلية التي برزت في وجه رئيسه وقيادته. فلأول مرة بعد تحوله إلى مؤسسة حزبية متكاملة، عمد التيار إلى إحالة عدد من قيادييه وكوادره على محكمة داخلية بسبب مواقفهم الاعتراضية والنقدية ضد رئيس الحزب جبران باسيل وقيادة الحزب، بعد تجميد دور بعض هؤلاء القياديين.
وتتخوف مصار مطلعة على أجواء التيار، من ان تكون هذه «الاجراءات التأديبية» داخل التيار بهدف تكريس سلطة رئيسه جبران باسيل في مواجهة معارضيه، وان يتحول التيار إلى «حزب ايديولوجي» يرفض أي صوت معارض داخله، بعد ان قدَّم نفسه في السنوات الماضية انه حزب ليبرالي وديمقراطي ويدعو إلى التغيير والاصلاح.
فما هي قصة محاكمة الأصوات والكوادر المعارضة داخل التيار؟ وهل يتحول التيار إلى حزب ايديولوجي يمنع التعددية وحرية الرأي والنقد داخل التيار؟ وأي دور سيلعبه التيار مستقبلاً في الحياة الديمقراطية والسياسية في لبنان؟
قصة المحاكمة
بداية لماذا حُوِّل عدد من كوادر وقياديي التيار ومنهم زياد عبس وانطوان نصر الله ونعيم عون إلى المحاكمة الحزبية؟ وهل لهذه المحاكمة علاقة بالتحضيرات للانتخابات النيابية أو بدور الوزير جبران باسيل في قيادة الحزب؟
تقول المصادر المطلعة داخل التيار «ان المشكلة مع عدد من كوادر التيار وقيادييه وخصوصاً زياد عبس تعود إلى الانتخابات البلدية والاختيارية، حيث كان لـ«عبس» رأي مغاير لموقف القيادة، وخصوصاً على صعيد الانتخابات في بيروت ودعم لائحة «بيروت مدينتي»، إضافة إلى الخلاف حول دعم المرشحين للمراكز الاختيارية. ومع ان عبس التزم لاحقاً موقف التيار الداعم للائحة «البيارتة» التي تبناها تيار المستقبل مع حلفائه، فإن هذه الخلافات استمرت داخل التيار.
لكن قرار تجميد عضوية زياد عبس ترافق مع إجراء التيار انتخابات تمهيدية لاختيار مرشحيه للانتخابات النيابية، وقد أدى صدور مواقف اعتراضية علنية من قبل بعض الكوادر ومنهم انطوان نصر الله ونعيم عون إلى تحويل الجميع لمحاكمة داخلية بتهمة خرق القوانين الحزبية والحديث العلني عن مشاكل الحزب عبر وسائل الإعلام.
وترى المصادر المطلعة داخل التيار ان سرعة تحويل قياديي الحزب وكوادره، الذين كان لهم دور مهم خلال مسيرة نضال التيار، إلى محكمة داخلية وتغطية العماد ميشال عون لهذه الإجراءات قد يكون هدفها الأساسي، إضافة إلى إبعاد هؤلاء عن عملية الترشح للانتخابات النيابية، تعزيز سلطة الوزير جبران باسيل في موقعه كرئيس للحزب وتحجيم الكتلة المعارضة داخل التيار وتوجيه رسالة لجميع المعارضين بضرورة التزام قرارات التيار ورفض السماح بنشوء حالة اعتراضية قوية داخلية، ما يقطع الطريق مستبقلاً، سواء انتُخب العماد عون رئيساً أو توفاه الله، أمام أية انقسامات داخل التيار.
التحول إلى حزب إيديولوجي
 والدور المستقبلي
لكن هل تؤدي هذه الاجراءات التأديبية التي اتخذتها قيادة التيار ضد عدد من الكوادر والقياديين الى تحويل الحزب الى حزب ايديولوجي شمولي يمنع الأصوات المعارضة داخله؟ وما هي انعكاسات هذه الاجراءات على دور التيار وموقعه في الحياة السياسية والديمقراطية في لبنان؟
تعتبر المصادر المطلعة داخل التيار ان بعض الكوادر والقياديين داخل التيار قد ارتكبوا خطأً تنظيمياً من خلال نقل مشاكل التيار إلى وسائل الإعلام، ما أعطى القيادة الفرصة لاتخاذ الاجراءات التأديبية ضد هؤلاء الكوادر، لكن بغض النظر عن سلامة القرارات الحزبية وصحتها فإن ما يجري سيقدِّم صورة سلبية عن التيار وموقعه ودوره المستقبلي.
وتتخوف هذه المصادر من ان يؤدي التضييق على الأصوات المعارضة داخل التيار وتعزيز سلطة رئيسه الوزير جبران باسيل إلى ان يتحول التيار يوماً بعد يوم إلى ما يشبه «حزب ايديولوجي شمولي» يمنع التعددية الحزبية أو بروز الأصوات النقدية، وهذا التحول سيفقد التيار الوطني الحر احدى مميزاته التي حاول التمسك بها خلال السنوات الماضية من خلال الحديث عن التنوع في الأفكار والآراء داخله.
لكن هل بإمكان التيار تجاوز هذه المشكلة واعادة الأمور الى نصابها؟ توضح المصادر ان العلاج صعب، وان كان غير مستحيل، لأنه لا يزال بالإمكان الحفاظ على التنوع والحيوية داخل التيار مع التزام عدم نقل مشاكله إلى العلن، رغم صعوبة الحفاظ على سرية الأوضاع داخل أي تيار أو حزب في لبنان سبب تطور وسائل الإعلام والحريات التي يتميز بها الإعلام في لبنان اليوم.
واما في حال اتخاذ قرارات تأديبية قاسية بحق الكوادر والقياديين المعارضين وخروج هؤلاء من التيار وسعيهم لإنشاء حركة تصحيحية أو انشقاقية، فقد يفقد التيار قسماً من مؤيديه وكذلك دوره المميز، خصوصاً أن هؤلاء القياديين كانوا من الذين ناضلوا طويلاً خلال مسيرة التيار، ولا سيما في السنوات التي كان فيها العماد عون خارج لبنان.
لكن أي دور سياسي للتيار في لبنان، في ضوء ما يجري داخله، وبانتظار حسم معركة الانتخابات الرئاسية في لبنان؟ تقول المصادر المطلعة على أجواء التيار إنه يمر اليوم بمرحلة حساسة تهدف الى تكريس زعامة الوزير جبران باسيل وقيادته بانتظار معركة مصير الانتخابات الرئاسية، وأما إذا وصل العماد ميشال عون الى موقع الرئاسة الأولى، فسيكون التيار أمام تحديات عديدة، ان لجهة الدور الذي سيقوم به على الصعيد الوطني، أو على صعيد كيفية الحفاظ على تماسكه الداخلي مع استمرار التنوع والتعددية داخله.
وما يمكن استخلاصه من كل ما يجري داخل التيار اليوم، ان المشاكل التي يواجهها تشبه إلى حد بعيد المشاكل التي تواجهها معظم الأحزاب اللبنانية والتي لم تستطع ان تقدِّم تجربة حزبية متطورة، باستثناء بعض هذه الأحزاب التي حافظت على استمرارية الانتخابات الداخلية وتداول السلطة.
لكن المشكلة الأكبر في التيار، انه كان يقدِّم نفسه نموذجاً متطوراً في الحياة السياسية اللبنانية وعلى صعيد التغيير والاصلاح، وإذا تحوَّل إلى حزب ايديولوجي شمولي فسيشكل ذلك انتكاسة جديدة للواقع السياسي والديمقراطي في لبنان.