قاسم قصير

تمرّ العلاقة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية هذه الأيام بأفضل مراحلها بعد سنوات طويلة من الخلافات والصراعات الدموية، والتباعد في المواقف الاستراتيجية والداخلية.
وقد أدى التوافق بين التيار العوني والقوات على دعم العماد ميشال عون في معركة الانتخابات الرئاسية، الى تعزيز العلاقة بين الطرفين والاتفاق على ورقة تفاهم سياسية أُعلنت قبل ثلاثة اشهر من مقر رئيس الهيئة التنفيذية للقوات الدكتور سمير جعجع.
وفي الأيام الماضية عقدت سلسلة لقاءات قيادية بين الطرفين من أجل البحث في كيفية تعزيز هذه العلاقة وتعميمها على المستويات الشعبية والإعلامية، ولا سيما على صعيد كوادر الطرفين وأنصارهما، لكن في الوقت نفسه كان طلاب القوات والتيار يخوضون معركة انتخابية في الجامعة اللبنانية الاميركية في بيروت وجبيل.
فالى اين تتجه العلاقة بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر؟ وما هي القضايا التي تجمع الطرفين؟ وما هي القضايا التي يختلفان حولها؟ وهل سينتهي هذا التقارب مع حسم المعركة الرئاسية؟
مسيرة العلاقة بين الصراع والاتفاق
بداية ما هي أبرز المراحل التي مرّت بها العلاقة بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، التي وصلت مؤخراً إلى التفاهم حول دعم العماد ميشال عون للمعركة الرئاسية؟
لقد مرّت العلاقة بين القوات والتيار في مراحل عديدة بين التقارب والصراع ، وحسبما تشير بعض الكتب والروايات عن الحرب اللبنانية فإن العلاقة بين العماد ميشال عون ومؤسس القوات بشير الجميّل كانت جيدة جداً منذ أن كان عون ضابطاً في الجيش اللبناني، وهو كان من المجموعة التي تعاونت مع بشير الجميّل ومع القوات في مراحل عديدة، لكن هذه العلاقة تدهورت خلال عهد عون في قيادة الجيش اللبناني، إلى ان انفجر الصراع بينهما بعد ان عيّن الرئيس الأسبق أمين الجميّل الجنرال عون رئيساً للحكومة المؤقتة عام 1988 وحصلت بينهما ما سميت آنذاك: معركة الإلغاء، وتجدد الخلاف أيضاً حول الموقف من اتفاق الطائف، فالقوات اللبنانية دعمت تطبيق الاتفاق والعماد عون عارضه، ما أدى الى شنّ الحرب عليه وإخراجه بالقوة من قصر بعبدا في 13تشرين الأول 1990.
لكن بعد نفي العماد عون إلى باريس وسجن الدكتور سمير جعجع، والدعم السوري للنظام اللبناني الذي أقيم بعد اتفاق الطائف، تعرّض مؤيدو القوات والتيار لحرب أمنية وسياسية كبيرة، ما أدى إلى التقارب الميداني بينهما، إلى ان توحّد الطرفان عملياً في 14 آذار 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتشكيل قوى 14 آذار من أجل اخراج السوريين من لبنان.
لكن التقارب بين الطرفين لم يطل كثيراً، فما إن خرج جعجع من السجن، وعاد عون الى لبنان، حتى عاد الخلاف بينهما، وانفرط تحالف قوى 14 آذار، وتحالف التيار الوطني الحر مع حزب الله، وحصل التقارب بين العماد عون والنظام السوري، وعادت الصراعات السياسية والحزبية والإعلامية والشعبية بين الطرفين.
وفي الأشهر الأخيرة شهدت العلاقة بين التيار والقوات تقارباً جديداً بعد ان دعم رئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية للمعركة الرئاسية، فاندفع الدكتور سمير جعجع لدعم العماد عون للرئاسة، كما حصل تقارب بين الطرفين في العديد من الملفات الداخلية وخصوصاً تحت عنوان: الدفاع عن حقوق المسيحيين في لبنان واستعادة الدور المسيحي الفاعل في النظام اللبناني، لكن لا تزال هناك نقاط خلاف بينهما، وخصوصاً حول الموقف من حزب الله والتطورات في المنطقة.
إلى أين تتجه العلاقة بينهما؟
لكن إلى أين تتجه العلاقة بين الطرفين اليوم؟ وما هي أهداف اللقاءات التنسيقية بين مسؤولي القوات والتيار وكوادرهما، التي عقدت مؤخراً في مقر رئيس الهيئة التنفيذية في القوات الدكتور سمير جعجع؟
تقول مصادر قيادية شاركت في اللقاءات التنسيقية بين الطرفين: ان اللقاءات التي تجري اليوم بين مسؤولي القوات والتيار العوني وكوادرهما تهدف إلى تعميق التقارب بين الطرفين وترسيخه، والعمل من أجل تعميم الأجواء الإيجابية السائدة بين قيادات الطرفين على الأوساط الشعبية وقواعد الطرفين.
وتوضح المصادر ان التفاهم الحاصل اليوم بين القوات والتيار قائم على صعيد معركة الانتخابات الرئاسية وحول خوض معركة استعادة الدور المسيحي وتفعيله في النظام اللبناني، وان هذين العنوانين يشكلان المساحة المشتركة بينهما، لكن ذلك لا ينفي وجود تباينات عديدة بينهما، سواء على صعيد الموقف من حزب الله وسلاح المقاومة أو لجهة قراءة التطورات الجارية في العالم العربي، أو على صعيد بعض الملفات الداخلية كقانون الانتخابات وبعض المعارك الانتخابية، وكل ذلك يستدعي المزيد من التواصل والتفاعل بين مسؤولي الطرفين لدراسة كيفية تعميم التفاهم المشترك وانزاله من الأعلى إلى القواعد والمؤيدين والأنصار.
وتضيف المصادر: في اللقاءات الأخيرة جرى الاتفاق على العديد من الخطوات العملية من أجل تعزيز التفاهم، وستظهر الأجواء الإيجابية عبر بعض الأنشطة والقرارات الميدانية، لكن ذلك لا يمنع استمرار التباين في بعض المواقف وخوض معارك انتخابية في الجامعات والنقابات.
ويبدو ان العلاقة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية تمر اليوم بمرحلة انتقالية، وأن حسم المعركة الرئاسية وتحديد أفق المرحلة المقبلة سيكون له تأثير واضح في مستقبل هذه العلاقة. فهل تتجه الى المزيد من التعاون، أم يعود الصراع السياسي والشعبي والانتخابي بينهما؟