العدد 1430 / 30-9-2020

منذ انطلاق المبادرة الفرنسية في لبنان وصولاً لاعتذار الرئيس المكلف الدكتور مصطفى اديب شهد لبنان تطورات سياسية هامة ادت الى تشكيل خارطة سياسية جديدة في الساحة اللبنانية، وقد ادت الخلافات حول تشكيل الحكومة الى فرز وقائع جديدة سيكون لها تأثير كبير في كيفية إتخاذ القرارات حول مستقبل لبنان في المرحلة المقبلة .

اين تتجه فالى المبادرة الفرنسية بعد اعتذار مصطفى اديب والمؤتمر الصحافي للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ؟ وماهي طبيعة الخارطة السياسية الجديدة في الواقع اللبناني؟

افاق المبادرة الفرنسية ونتائجها

رغم الحملة القاسية التي شنها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على السياسيين اللبنانيين وتحميلهم مسؤولية عدم النجاح في تشكيل حكومة جديدة فانه اكد استمرار المبادرة واعطاء فرصة شهر ونصف لتحقيق انجاز جديد ، وعلى ضوء ما قاله ماكرون وما جرى خلال الاسابيع الماضية يمكن تلخيص الوقائع السياسية الجديدة بما يلي :

أولاً على الصعيد الخارجي : تلعب فرنسا الدور الأساس في توجيه ورعاية الدور اللبناني بدعم من الفاتيكان وبالتنسيق مع ايران ، مع إحتفاظ الأميركيين بحق الفيتو والمشاغبة أحيانا عبر سلسلة العقوبات والمواقف الحادة ، وفي ظل التمايز الفرنسي والاميركي بشأن الموقف من حزب الله وإيران ، وبإنتظار نتائج الإنتخابات الاميركية سيسعى الأميركيون لمنع التفرد الفرنسي في إدارة الوضع اللبناني ، كما يعمل الأميركيون لإعادة إستنهاض بعض مجموعات المجتمع المدني والقوى السياسية المعارضة للمبادرة الفرنسية كي يكون لها دور فاعل في المرحلة المقبلة، وقد كشف مساعد وزير الخارجية الاميركي دايفيد هيل خلال شهادة له في الكونغرس الاميركي عن حجم الدعم الاميركي الكبير لهذه المنظمات خلال السنوات الاخيرة

وأما على الصعيد العربي فتلعب مصر حاليا الدور الأساس في دعم المبادرة الفرنسية ، في حين تتحفظ السعودية والامارات العربية المتحدة على هذه المبادرة وتواكبان التطورات في ظل تصعيد سعودي من خلال المواقف التي اطلقها الملك سلمان مؤخرا ضد حزب الله وايران .

وهناك دور متزايد لتركيا في لبنان والمنطقة لكن تأثيرها الداخلي لا يزال محدودا ، وهناك مؤشرات عن عودة التواصل التركي – المصري على صعيد ملفات المنطقة.

اذن نحن امام وقائع جديدة على صعيد دور القوى الخارجية في لبنان وسيظل الدور الفرنسي المدعوم فاتيكانيا ومصريا وروسيا هو الاقوى .

خارطة سياسية داخلية جديدة

لكن ماذا عن كيفية توزع القوى السياسية الداخلية على ضوء نتائج المبادرة الفرنسية واعتذار الدكتور مصطفى اديب؟

يمكن تلخيص ابرز نتائج المبادرة الفرنسية والخلافات حول تشكيل الحكومة على الصعيد الداخلي بما يلي : لقد أفرزت الأزمة حزبا جديدا وهو نادي رؤساء الحكومات السابقين ( سعد الحريري ونجيب الميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام) ، وهذا التجمع هو من كان يتولى تشكيل الحكومة والتنسيق مع الفرنسيين والمصريين ويعمل للاستفادة من المبادرة الفرنسية لاعادة الإمساك بمفاصل السلطة اللبنانية عبر رئاسة الحكومات والوزارات الأساسية . ورغم بروز بعض التباينات داخل هذا الفريق فان لا يزال هو الاقوى حاليا ، واي تشكيل جديد للحكومة يجب ان يمر عبره.

في مواجهة رؤساء الحكومات السابقين يقف الثنائي ( حركة امل وحزب الله ) الذي يدافع عن دوره وموقعه في السلطة والحكم لمنع العودة لمرحلة ما بعد العام 2005 وإحتكار السلطة من فريق سياسي محدد ، وينسّق هذا الثنائي مع الفرنسيين لتوضيح الأمور ويدعم المبادرة الفرنسية رغم اعتراضه على بعض ما ورد في المؤتمر الصحافي للرئيس الفرنسي حول تحميله مسؤولية فشل المبادرة في تشكيل حكومة جديدة..

وأما رئيس الجمهورية العماد ميشال عون فهو يحاول لعب دور الوسيط بين هذين الفريقين الأساسيين من اجل منع إستفراد رؤساء الحكومات السابقين بالحكم ولعدم التخلي عن الثنائي ( حركة امل وحزب الله ) ، واما بقية الأطراف السياسية فهي تنتظر افاق المبادرة الفرنسية في المرحلة المقبلة والعقوبات الأميركية لتحديد موقعها ودورها في ظل تغير واضح في المواقف والتموضع السياسي ، فالتيار الوطني الحر بدأ يبتعد عن حزب الله ، وتيار المردة يقف حائرا إزاء الأوضاع رغم حرصه على العلاقة الإيجابية مع الحزب ، واما رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط فهو يحرص على الوقوف في الوسط ويعمل لارسال النصائح للجميع لالتهدئة مع التحفظ على المواقف الأميركية ، والقوات اللبنانية تعمل لتنشيط دورها السياسي والشعبي من خارج الحكم وتتبنى الدعوة لانتخابات نيابية مبكرة، وأما حلفاء حزب الله فهم بدأوا باعادة تقييم مواقفهم داخليا وخارجيا وبعضهم بدأ يبتعد عن الحزب ، وأما منظمات المجتمع المدني والقوى التي أفرزها الحراك الشعبي في السابع عشر من تشرين الاول فهي تسعى للعودة الى الساحة السياسية والشعبية لكن دورها محدود حاليا ، وهناك معارضة محدودة من بعض الاحزاب والشخصيات السياسية والفكرية ومؤسسات المجتمع المدني لكل ما يجري لكن هذه المعارضة لم تستطع ايجاد تأثير كبير في الواقع السياسي اليوم وبعضها يدعو لاجراء انتخابات نيابية مبكرة لتغيير الواقع السياسي وفرز خارطة سياسية جديدة.

نحن إذن أمام وقائع سياسية جديدة داخليا وخارجيا ، وبانتظار وضوح الرؤية حول افاق المبادرة الفرنسية ، فإن كل الخيارات مفتوحة والصراع السياسي سيزداد داخليا وخارجيا ، والأميركيون لم ينتظروا حتى إنتهاء الإنتخابات الرئاسية للعودة الى الساحة اللبنانية بل يحاولون الإستفادة من هذه المرحلة لتثبيت موقعهم ودورهم الى جانب الدور الفرنسي ، والثنائي حركة امل وحزب الله يستعد لكل الإحتمالات ولن يتنازل بسهولة ، وكل هذه التطورات ستجعل الحاجة الى مؤتمر وطني جديد (كما تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون) ضرورة ماسة سواء نجحت المبادرة الفرنسية ام فشلت ، ولا بد من البحث عن صيغة سياسية جديدة تنطلق من إتفاق الطائف وتستفيد من تجربة إتفاق الدوحة وصولا لإدارة جديدة للواقع السياسي اللبناني على ضوء المتغيرات الداخلية والخارجية.

قاسم قصير