وائل نجم

أقفل باب الترشّح للانتخابات النيابية منتصف ليل الثلاثاء - الأربعاء على 976 مرشحاً، بينهم 111 امرأة، وكانت نسبة الترشّح الكبرى في الدائرة الثانية في بيروت، فيما نسبة الترشّح الأقل في البترون. ومن المعلوم أن هناك مهلة زمنية تنتهي في 21 آذار لسحب الترشيحات، وهناك مهلة أخرى لتسجيل اللوائح في 26 آذار، وبعد هذا التاريخ كل مرشح لا يتسجّل في لائحة لا يُعدّ مرشحاً، بالتالي لا يُدرج في اللوائح التي ستوزّع يوم الانتخاب على الناخبين.
يمكن القول إن الأمور بدأت تتضح، ويمكن أن نبدأ تلمّس اللوائح والتحالفات الانتخابية، خاصة أن كل القوى السياسية ستشرع في الدخول في معركة تشكيل اللوائح. فكيف ستقارب القوى السياسية الكبرى هذا الاستحقاق؟ وأية معركة انتخابية تنتظر هذه القوى؟
يشغل تيار المستقبل أكبر عدد من المقاعد النيابية في المجلس النيابي الحالي الممدد له، فكتلته النيابية 34 نائباً، وفيها تنوّع مناطقي وطائفي، فكيف سيخوض معركته الانتخابية المقبلة؟
يدخل تيار المستقبل الاستحقاق الانتخابي هذه المرة بخلاف كل المرّات السابقة. فشعبية التيار في تراجع كبير في كل المناطق، والثقة بقيادته لم تعد كما كانت سابقاً، خاصة في ظل التنازلات التي قدمتها على مدى السنوات الأخيرة، وعدم ثباتها على موقف من حماية مصالح وحقوق الشريحة الكبرى التي تشكل البيئة الحاضنة للتيار، فضلاً عن فقدان العاطفة التي شكّلت عنصراً أساسياً في كسب معارك استحقاق 2005 بعد استشهاد الرئيس الشهيد رفيق الحريري، واستحقاق 2009 بعد دخول «حزب الله» إلى بيروت عسكرياً. اليوم ليس هناك من مادة عاطفية وجدانية يخاطب بها تيار المستقبل ناخبيه ويأسرهم بها كما كان يحصل في السابق. وفضلاً عن هذه وتلك، هناك الحلفاء في فريق 14 آذار الذين يريدون سحب بعض النواب من كتلة المستقبل لمصلحة كتلهم. لذا، يواجه التيار مشكلة ليست سهلة في إدارة معركة الانتخابات المقبلة، وهو بات على قناعة بأنه سيخسر نحو نصف مقاعد هذه الكتلة تقريباً، وهذا ما ينعكس على تحالفاته في هذه الاستحقاق، ويبدو أنه مربك جداً في نسج هذه التحالفات وإدارة هذه المعركة. وفوق كل ذلك فإن الأسماء التي تقدّم بها للندوة النيابية، مع الاحترام الكامل للجميع، لا توحي بالثقة كثيراً للناخبين في الدوائر التي سيخوض فيها «المستقبل» معركته.
وإذا ما انتقلنا للحديث عن الكتلة الثانية في المجلس النيابي، وهي تكتل التغيير والإصلاح، فإن التكتل يواجه اليوم أمام تحدّي الحفاظ على تكتله، ولكنه يواجه بعض التحدّيات. ففي الساحة المسيحية سيمنح القانون النسبي لمنافسي التيار فرصة لاقتناص بعض المقاعد النيابية التي كان التيار يحتكر تمثيلها، كما في دائرة المتن أو كسروان، ولكن وفق هذا القانون، فإن التيار لن يستطيع الاحتفاظ بكل مقاعد هاتين الدائرتين بالنظر إلى القانون النسبي، وهو ما سيجعله يعمل على تعويض ذلك من خلال نسج تحالفات جديدة لم تكن قائمة من قبل، ومن الواضح في هذا السياق أن التيار عمل على نسج تحالف مع «المستقبل» ولكن يبدو أن الضغط الخارجي أثّر في استكمال هذا المسار، وبالتالي عرقل إتمام هذه التحالفات، ولو استثنيت بعض الدوائر من ذلك.  وبالطبع، هذا الأمر دفع التيار الوطني الحر للبحث عن حلفاء آخرين في الساحة الاسلامية التي يشترك معها في الكثير من الدوائر، وهنا يبرز الحديث عن تحالفات قد تجمع التيار مع الجماعة الإسلامية في بعض الدوائر للتعويض عن أية خسارة محتملة قد تلحق به في دوائر مسيحية صافية. ولا بدّ أيضاً من التذكير في هذا المقام بأن التيار يخوض هذه الانتخابات هذه المرة، وهو جزء من الحكومة، ويستند إلى وجود مؤسسه وزعيمه الأول في سدة رئاسة الجمهورية.
أما كتلة التنمية والتحرير وهي ثالث أكبر كتلة في المجلس، فتعتبر أكثر كتلة نيابية «مرتاحة» في معركتها الانتخابية، فالتحالف والتفاهم مع «حزب الله» في كل الدوائر جنّب الكتلة المواجهة الكاسرة، وأعطاها فرصتها الكاملة، ويمكن القول إن هذه الكتلة لا تواجه تحدّياً حقيقياً إلا في بعض المقاعد المحدودة جداً، ومن المتوقع أن يرتفع عدد هذه الكتلة في المجلس النيابي القادم.
أما بالنسبة إلى كتلة الوفاء للمقاومة، فإن «حزب الله» حاول أيضاً تجنّب المعركة من خلال التفاهم والتحالف مع حركة أمل ضمن الثنائية الشيعية، وهذا بالتأكيد يريح الحزب ويخرجه من المواجهات الكبيرة، لكنْ أمامه تحدٍّ ليس سهلاً في بعض الدوائر كما في دائرة بعلبك الهرمل حيث تجتهد العائلات والعشائر الشيعية في تلك الدائرة لنسج تحالفات في ما بينها، أو مع قوى أخرى في الدائرة من أجل اكتساب مقاعد نيابية هي في الأساس يعتبرها الحزب من حصته، ومن المتوقع خسارة الحزب لبعض هذه المقاعد في تلك الدائرة، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على دائرتي زحلة وجبيل كسروان.
تبقى كتلة اللقاء الديمقراطي برئاسة النائب وليد جنبلاط، التي يواجهها تحدٍّ أساسي هو توريث الزعامة لتيمور جنبلاط، ولذلك حرص جنبلاط الأب على تشكيل لائحة في الشوف تجمع كل القوى السياسية في الدائرة، ولكنه لم ينجح في مسعاه حتى الآن لأكثر من اعتبار، ولذلك قد يلجأ إلى معركة يكون في مواجهته فيها التيار الوطني الحر، ويمكن أيضاً أن تكون القوات اللبنانية.
وأما «القوات» فقد كانت إلى الأمس القريب تنتظر التحالف مع «المستقبل» لخوض المعركة الانتخابية، مع أن فرصها كبيرة ومهمة، ولكنها كانت تحرص على الشريك في الساحة الاسلامية، فإذا ما جرى التحالف مع «المستقبل» فإن معركتها ستكون أقل صعوبة، وإذا ما حصل الافتراق عن «المستقبل» فهي ستواجه معركة قاسية، وعندها ستلجأ إلى حليف في الساحة الإسلامية، وقد كانت قنوات الاتصال فُتحت باكراً بينها وبين الجماعة الإسلامية كشريك محتمل في هذه الساحة ،باعتبار أنها القوة الإسلامية الوحيدة والمنظمة التي تنتشر في كل الدوائر.
لا شكّ في  أن القانون النسبي الجديد أربك القوى الكبرى، ومنح القوى السياسية الأقل حجماً فرصة للتمثّل في المجلس النيابي، أو على أقل تقدير أظهر حاجة القوى الكبرى لها، وهو ما يعني في مكان ما شراكة وتأثيراً قد يتطوّر وينمو لحجز مقاعد في الدورات اللاحقة.}