بسام غنوم

يبدو ان التسوية التي تحكم البلد منذ شهر تشرين الأول 2016 والتي أثمرت توافقاً على انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، والرئيس سعد الحريري رئيساً للحكومة، وعلى تحييد الملفات الداخلية كافة سواء منها السياسية والأمنية والاقتصادية عن الصراعات الإقليمية القائمة في المنطقة، ما زالت تفعل فعلها في الواقع السياسي اللبناني رغم شدة التباينات والخلافات في المواقف بين القوى المشاركة في هذه التسوية.
فلا الخلاف على الموقف من سلاح «حزب الله»، وتدخله المباشر في الشأن السوري، ولا قيام وزراء بانتهاك سياسة النأي بالنفس التي تتبناها الحكومة تجاه العلاقة مع النظام السوري، ولا التعيينات الإدارية والقضائية، ولا ارتفاع العنصرية الطائفية من قبل الوزير جبران باسيل الذي أعلن صراحة أننا «عنصريون بلبنانيتنا، ومن يتحدث عن القانون الدولي وحقوق الإنسان فليذهب الى أماكن أخرى حيث تنتهك حقوق الإنسان. ولا يحق لكل منظمات حقوق الإنسان أن تتحدث عن إنسانية لبنان».
ولا شيء من ذلك كله وما خفي كان أعظم استطاع ان يؤثر على التسوية السياسية التي تحكم لبنان منذ ما يقارب السنة، وآخر نتائج هذه التسوية السياسية هو إعادة إقرار مجلس النواب لقانون الضرائب الذي رفضه المجلس الدستوري بصيغته السابقة بعد إدخال تعديلات شكلية عليه بما يتناسب مع مقتضيات القانون، بحيث تم إقرار قانون الضرائب مجدداً دون أي تعديل، وقد مر القانون بسلاسة في المجلس النيابي مع اعتراض 5 نواب وامتناع 9 نواب عن التصويت، وموافقة 71 نائباً.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل التسوية السياسية بين أهل الحكم هي الأساس أم مصالح اللبنانيين؟
نبدأ أولاً من قانون الضرائب الذي أقره المجلس النيابي من أجل تمويل سلسلة الرتب والرواتب.
العنوان الأساس لهذا القانون هو الحفاظ على التوازن المالي والاستقرار الاقتصادي لأنه بحسب الرئيس بري: «إذا لم يتم اقرار الضرائب ينخفض تصنيف لبنان وعلينا انجاز الموازنة قبل نهاية الشهر، ويجب التحقق من وجود وفر في الموازنة».
وهذا الوفر تحدث عنه مراراً وتكراراً رئيس لجنة المال والموازنة في المجلس النيابي النائب إبراهيم كنعان الذي قال انه يوجد وفر مقداره 1100 مليار ليرة وهو يكفي لتمويل سلسلة الرتب والرواتب.
إلا ان وزير المالية علي حسن خليل كان يصر دائماً على ان هذا الوفر الذي يتحدث عنه النائب كنعان غير موجود، وان حسابات النائب كنعان كلها خاطئة.
ويكشف هذا السجال المالي والسياسي بين الوزير علي حسن خليل والنائب إبراهيم كنعان جزءاً من اللعبة السياسية التي تجري في البلد بين أركان الحكم في لبنان.
فالرئيس بري يريد تأكيد دوره الفاعل في الحكم عبر المجلس النيابي. وعبر التشريع في المجلس النيابي، فيما يريد التيار الوطني الحر تحت غطاء «التغيير والإصلاح» في إدارات الدولة وضع يده على كل مقدرات الدولة في لبنان.
وجزء كبير من الصراع القائم في البلد بين الرئيسين عون وبري هو على السلطة والنفوذ.
لكن هذا لا يمنع إذا تلاقت المصالح مثل الاتفاق على قانون سلسلة الرتب والرواتب وقانون الضرائب ان تتلاقى الإرادات والمواقف، وهذا ما تجلى في قانون الضرائب الذي أُقرَّ بموافقة 71 نائباً، واعتراض 5 نواب وامتناع 9 نواب عن التصويت، وهو ما يعني ان الخلافات السياسية بين أهل الحكم يمكن تجاوزها إذا اتفقت المصالح، وأن التسوية السياسية القائمة في لبنان منذ شهر تشرين الأول 2016 ما زالت هي الأساس في كل المواقف والتحركات.
لكن ماذا عن مصالح اللبنانيين؟
كشف إقرار قانون الضرائب بصيغته المعدلة شكلياً أو بالأحرى قانونياً بحيث يكون متطابقاً مع ملاحظات المجلس الدستوري ان مصالح اللبنانيين، وخصوصاً أكثرية الشعب اللبناني، هي آخر اهتمامات الطبقة السياسية التي تعطي الأولوية أولاً وأخيراً للتسوية السياسية القائة بينها.
فقانون الضرائب سوف يترك تأثيره على عامة الشعب اللبناني، وبالأحرى على ثلثي الشعب اللبناني، لأن المستفيدين من سلسلة الرتب والرواتب يمثلون 25 بالمئة من الشعب اللبناني، و5 في المئة تمثل الطبقة الغنية أي طبقة رجال المال والأعمال، وأما ثلثا الشعب اللبناني فإنهم سيدفعون غالياً كلفة تمويل سلسلة الرتب والرواتب عبر قانون الضرائب الذي فرض زيادة 1 في المئة على الـT.V.A فأصبحت 11 في المئة كما فرض ضرائب على رسم الطابع المالي، ورسوم انتاج الاسمنت وكتاب العدل ورفع الرسوم على المستوعبات.. الخ، وحتى زيادة الضريبة على أرباح الشركات المالية وعقود البيع العقاري فإنها ستنعكس على عامة اللبنانيين، لأن هذه الشركات ستزيد أسعارها لتغطية الزيادة في الضريبة.
وهناك أحاديث عن أن هذه الزيادات الضريبية لها أهداف أخرى غير تلك المتعلقة بتمويل سلسلة الرتب والرواتب، وهي مرتبطة بتمويل خزينة الدولة التي قد تتأثر بالعقوبات الأميركية على «حزب الله»، والمتوقع إقرارها قبل نهاية السنة الحالية.
باختصار، مصالح الطبقة السياسية ساهمت في إقرار الضرائب، أما مصالح اللبنانيين، وخصوصاً ثلثي الشعب اللبناني، فهي في خبر كان.}