قاسم قصير

بالتزامن مع الجهود السياسية التي يبذلها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بالتعاون مع بقية الأطراف اللبنانية للإسراع بتشكيل الحكومة الجديدة، بدأت جهات دولية وإقليمية وداخلية بالتحضير لمناقشة «الاستراتيجية الدفاعية» بعد الانتهاء من تأليف الحكومة.
وأوضحت مصادر دبلوماسية في بيروت لـ«الأمان» ان الأطراف الدولية والأمم المتحدة تركز في هذه المرحلة على اعداد الملفات والمعطيات حول الاستراتيجية الدفاعية وكيفية تنظيم دور «حزب الله» العسكري في المرحلة المقبلة، في ظل صعوبة نزع هذا السلاح حالياً.
وعقد مركز الشرق الأوسط للأبحاث والدراسات الاستراتيجية (القريب من حزب القوات اللبنانية) بالتعاون مع المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات (يرأسه العميد الركن الدكتور خالد حمادة ومؤسسة كونراد ايدناور الألمانية) جلسة نقاش مغلقة حول الاستراتيجية الدفاعية ومستقبل استقرار لبنان بين القرارات الدولية والضغوط الإقليمية، شارك فيها عدد من الباحثين والشخصيات اللبنانية والدولية.
وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد أعلن قبل الانتخابات النيابية «أن ملف الاستراتيجية الدفاعية سيناقش بعد الانتخابات وسيعقد حوار داخلي حول هذا الملف»، كذلك أكد مؤتمر روما الدولي، الذي عقد من أجل بحث دعم الأجهزة والقوى الأمنية والعسكرية اللبنانية قبل عدة أشهر، في بيانه الختامي ضرورة بحث الاستراتيجية الدفاعية مجدداً والتزام لبنان القرارات الدولية. فما هي أسباب الاهتمام الدولي والإقليمي والداخلي بملف الاستراتيجية الدفاعية؟ وكيف ينظر «حزب الله» الى هذا الاهتمام؟ وهل تنجح الجهود الداخلية والخارجية في التوصل إلى حلول سياسية حول سلاح «حزب الله» والمقاومة؟
الاهتمام بالاستراتيجية الدفاعية
بداية ما هي أسباب عودة الاهتمام الدولي والإقليمي والداخلي بالاستراتيجية الدفاعية في هذه المرحلة؟
تقول مصادر دبلوماسية في بيروت لـ«الأمان»: «ان الاهتمام الدولي بالاستراتيجية الدفاعية مرتبط بالتطورات الإقليمية والداخلية، فحزب الله تمدد في السنوات الماضية الى خارج لبنان وأصبح دوره إقليمياً، ولم يعد بالإمكان حالياً طرح مشروع نزع سلاح الحزب أو سلاح المقاومة لأسباب داخلية وخارجية، ولذلك أصبح اهتمام الجهات الدولية اليوم كيفية اعادة حصر دور الحزب داخلياً والعمل لتعزيز دور الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية اللبنانية كي تكون قادرة مستقبلاً على حماية لبنان وتطبيق القرارات الدولية والحفاظ على الاستقرار ومنع تدخل الأطراف اللبنانية في الأحداث الإقليمية».
وتضيف المصادر: «تزامناً مع التطورات الحاصلة خارجياً، فإن نتائج الانتخابات النيابية والتقدم الكبير لحزب الله وحلفائه وزيادة الدور الداخلي للحزب، تفرض العودة لبحث الاستراتيجية الدفاعية، والعودة للمشاريع التي طرحت سابقاً خلال الحوارات الوطنية التي عقدت عام 2006 وبعد حرب تموز من أجل الوصول لاستراتيجية دفاعية موحدة».
وتزامناً مع هذه الأجواء الدولية والإقليمية، فإن حرص رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وبعض القوى اللبنانية على الدعوة مجدداً لبحث ملف الاستراتيجية الدفاعية يهدف حسب بعض المصادر السياسية لطمأنة القوى السياسية الداخلية وارسال رسائل إيجابية للخارج بأن لبنان حريص على حماية الاستقرار والتزام سياسة النأي بالنفس والوصول الى رؤية موحدة حول سلاح «حزب الله» والمقاومة.
موقف «حزب الله»
والتوقعات المستقبلية
لكن ما هو موقف «حزب الله» من الدعوة لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية بعد تشكيل الحكومة؟ وهل سيتم التوصل الى نتائج عملية في هذا الملف الشائك؟
بداية ماذا عن موقف «حزب الله» من الدعوة الى مناقشة الاستراتيجية الدفاعية مجدداً؟ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله رحب في أحد خطاباته بدعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى العودة للحوار حول الاستراتيجية الدفاعية، ودعا نصر الله للاستفادة من كل التطورات والأحداث التي حصلت منذ حرب تموز 2006 وحتى اليوم من أجل تقديم مقاربة جديدة لموضوع الاستراتيجية الدفاعية.
وتقول الأوساط المطلعة على أجواء الحزب ان «حزب الله» لا يمانع طرح ملف الاستراتيجية الدفاعية، وان لدى الحزب رؤية شاملة حول هذا الموضوع، ولا سيما في ظل التحديات الجديدة التي يواجهها لبنان، إن في مواجهة العدوّ الصهيوني والتهديدات التي يطلقها بشأن الثروة النفطية وبناء الجدار الإسمنتي، أو على صعيد مواجهة المجموعات الإرهابية التي كان لها دور فعَّال في السنوات الماضية في الساحة اللبنانية وعلى الحدود، وان «حزب الله» لا يزال يتمسك بمعادلة (جيش، شعب، مقاومة)».
لكن هل يؤدي النقاش والحوار حول الاستراتيجية الدفاعية الى نتائج عملية، أم ينتهي كما انتهت المؤتمرات الحوارية السابقة؟
لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال بشكل حاسم ونهائي اليوم، لأن دور «حزب الله» وسلاحه لم يعد ملفاً لبنانياً داخلياً، بل أصبح لـ«حزب الله» دور إقليمي متزايد في الملف السوري وبعض دول المنطقة، وهذا ما يؤكده مسؤولو الحزب في أكثر من موقف وتصريح.
ولذلك فإن مناقشة مستقبل ودور سلاح «حزب الله» مرتبطة بملفين أساسيين، الأول الملف الداخلي وتصاعد دور الحزب على صعيد الدولة والحكومة والقضايا الداخلية، لأنه كلما ازداد هذا الدور، استلزم من «حزب الله» التعاطي بإيجابية على صعيد مستقبل سلاحه ودوره الخارجي. والملف الثاني التطورات الجارية في المنطقة، فكلما اتجهت الأوضاع في المنطقة والإقليم نحو التصعيد زاد دور الحزب الخارجي، والعكس صحيح، فإذا جرى التوصل الى تسويات للأزمات الإقليمية ولا سيما الحرب في سوريا، فإن ذلك يتطلب من الحزب العودة الى الداخل اللبناني.
إذن لا يمكن تحديد الإجابة مسبقاً، لكن يبدو ان كل المعطيات الداخلية والخارجية تؤكد ان ملف الاستراتيجية الدفاعية سيوضع على نار حامية بعد تشكيل الحكومة والنقاش مفتوح على كل الاحتمالات.}