العدد 1404 / 11-3-2020

شكل اعلان رئيس الحكومة حسان دياب عن تعليق سداد استحقاق 9 آذار من اليوروبوندذ "لضرورة استخدام هذه المبالغ في تأمين الحاجات الاساسية للشعب اللبناني" نقطة تحول بارزة في تاريخ لبنان الاقتصادي نظرا لانها المرة الاولى التي يقدم فيها لبنان بالتخلف عن سداد ديونه اولا , وارتباط ذلك بحالة الصراع السياسي القائم والانهيار الاقتصادي , والمالي الذي يعيشه لبنان ثانيا , وانتشار فيروس ورونا الذي زاد من مصاعب لبنان الصحية والاقتصادية ثالثا , وفي ظل حالة الاستقطاب السياسي بين المحاور الاقليمية والدولية المتصارعة رابعا , وهو ماعبر عنه الرئيس حسان دياب في كلمته الى اللبنانيين حيث اعتبر ان "الوطن يمر بمرحلة دقيقة جدا في تاريخه , تتجاذبه الاعاصير في كل حدب وصوب , تتقاذفه امواج عاتية يصارع البلد بقوة الارادة التي يملكها كي لا يبتلعه الدوار" .

هذا التوصيف لواقع لبنان السايسي والاقتصادي يدفع الى التساؤل عن قدرة الحكومة اللبنانية واللبنانيين على الخروج من الازمات السياسية والمالية والاقتصادية التي تعصف بلبنان والتي زاد من صعوبتها انتشار فيروس كورونا في لبنان والعالم مع لهذا الانتشار من آثار كبيرة على الصحة العامة اولا , وعلى الاقتصاد اللبناني المتهالك ثانيا , وبالتالي يمكن القول ان لبنان يعيش في ظل ازمات لم يسبق لها مثيل في تاريخه المعاصر .

والسؤال الذي يطرح نفسه بعد قرار الحكومة تعليق سندات اليوروبوندز هو ماذا بعد حتى يمكن انقاذه من اقتصاد لبنان المتهالك ؟

قبل الاجابة على هذا السؤال لا بد من التوقف اولا عند الضجة التي اثارها قرار الحكومة بتعليق سندات اليوروبوندز , لان عذا القرار ادى الى انقسام بين اللبنانيين وبين الخبراء الاقتصاديين الذي اعتبر فريق منهم ان هذا القرار ضروري وسليم من الناحية الاقتصادية لحامية اموال اللبنانيين واستقرارهم السياسي , وفريق آخر رأى ان هذا القرار سابقة في تاريخ لبنان حيث لم يسبق للبنان ان تمنع عن سداد ديونه وهو ما سيترك اثار سلبية على الثقة بلبنان واقتصاده اولا , وعللا قطاع المصارف الذي يشكل الرافعة الاقتصادية الاولى للبنان ثانيا , وهذا ماسيؤدي – بحسب رأي هؤلاء الخبراء – الى وضع لبنان ضمن الدول المفلسة والفاشلة اقتصاديا .

هذا الاختلاف بالرأي حول الاجراء الذي اتخذته الحكومة سبقه قرارات اربكت القطاع المصرفي والواقع السياسي اللبناني .

فقد اتخذ النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم قرارا بوضع اشارة منع تصريف على اصول 20 مصرفا , وهو ما اثار الهلع بين اصحاب المصارف , وبعض القوى السياسية , وهو ما اعتبره البعض بمثابة 7 آيار مالي تشبيها بما جرى في 7 ايار 2008 عندما اجتاح "حزب الله" بيروت .

الا انه لم تمضي ساعات قليلة على قرار النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم حتى صدر باعلان من المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات جاء فيه :" فررنا تجميد القرار المتخذ ومفاعيله الى حين درس تأثيره على النقد الوطني وعلى المعاملات المصرفية وعلى اموال المودعين وعلى الامن الاقتصادي" , وهو مادفع بالمدعي العام المالي الى القول ردا على قرار المدعي العام التمييزي غسان عويدات انه :تم تجيير الملف الى اماكن غير معروفة" .

وتكشف هذه الوقائع والسجالات القائمة حول الاقتصاد والاجراءات المطلوبة لانقاذ الاقتصاد اللبناني ان الخلاف هو سياسي بالدرجة الاولى والاقتصاد اللبناني واللبنانيين ضحية لهذا الخلاف .

فالقوى الممسكة بالسلطة حاليا تحاول خلال هذه الاجراءات والمواقف ربط حالة الانهيار الاقتصادي بالقوى السياسية التي كانت شريكة لها في السلطة , تقدم نفسها للبنانيين وكانها المنقذ لهم من كل السياسات السابقة التي اوصلت لبنان الى ماوصل اليه .

بدورها القوى التي كانت في السلطة والمسؤولة بالتضامن والتكامل مع القوى الممسكة بالسلطة حاليا تحاول تصدير الازمة الاقتصادية وكأنها بسبب المواقف والارتباطات الخارجية لقوى السلطة .

لكن الطرفيين يتناسون انهم كانوا دائما وطوال السنوات شركاء في السلطة , فالحكومات كانت توافقية , وتعطيل الاصلاحات قضية مشتركة , والتوظيفات الحزبية والنتائج المدمرة لسلسلة الرتب والرواتب على الاقتصاد الوطني يبرز انجازاتهم المشتركة , وكذلك الامر في قطاع الكهرباء باب الفساد الاكبر في ميزانية الدولة .

يالخلاصة , كلهم يعني كلهم مسؤولين بالتكافل والتضامن عن الحالة التي وصل اليها لبنان , ولا يوجد حل ممكن الا باجراء انتخابات نيابية جديدة وفق قانون انتخابي جديد يضمن سلامة التمثيل , وعند ذلك فقط انقاذ مايمكن انقاذه من اقتصاد لبنان , ومن اجل اللبنانيين واستقرارهم .

بسام غنوم