العدد 1564 /24-5-2023
بسام غنوم

تتداخل الملفات على الساحة اللبنانية بين سياسية وامنية وقضائية في وقت تتحدث فيه الاخبار عن جهود خارجية كبيرة على الصعيدين الاقليمي والدولي من اجل انجار الاستحقاق الرئاسي في اقرب وقت ممكن بحيث يكون هناك رئيسا جديدا للجمهورية قبل نهاية شهر حزيران القادم.

الا ان تشابك الملفات بين امنية وسياسية وقضائية لايوحي بأن الامور قد تسير بالسهولة والسلاسة التي يتحدث عنها البعض وخصوصا فريق الثنائي الشيعي وحليفهم التيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل الذي قام بمناورة سياسية كبرى خلال الايام القليلة الماضية تجاه حليفه "حزب الله" اولا ، ومن ثم نحو قوى المعارضة ثانيا ، وبعد ذلك سافر الى باريس ليفاجئ قوى المعارضة مجتمعة بتصريح للنائب آلان عون ربط فيه التوافق مع المعارضة بتبني اسم مرشح من "التيار" لرئاسة الجمهورية مما وضع علامة استفهام حول مصير المشاورات التي كانت جارية بين قوى المعارضة والنائب جبران باسيل ، وهو ما أشارت إليه مصادر في "القوات"، معتبرة أن هذا الشرط الجديد "حجة لوقف المباحثات وللقول إنهم لا يريدون قطع العلاقة مع حزب الله".

هذا على الصعيد السياسي اما على الصعيد القضائي فإن الحدث الابرز هو مذكرة التوقيف القضائية الفرنسية بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة التي اصدرتها القاضية القاضية الفرنسية بوروزي بعد تخلف سلامة عن الحضور الى جلسة استماع قضائية مما دفعها الى اصدار مذكرة حمراء الى الانتربول الدولي بحق حاكم مصرف لبنان الذي يحمل الجنسيتين اللبنانية والفرنسية ، و هو ما اثار الكثير من الخلاف والارباك على الصعيدين السياسي والقضائي في لبنان بين مؤيد لتوقيف سلامة انفاذا للمذكرة القضائية الفرنسية ، وبين من رأى تجاهل الطلب الفرنسي والاستماع الى رياض سلامة امام القضاء اللبناني ، وهناك ايضا من دعا الى استقالة سلامة من موقعه كحل وسط بعد وضع اسم سلامة على لائحة المطلوبين من قبل الانتربول الدولي حتى لا يؤثر ذلك على الوضعية المالية للدولة و مصرف لبنان المركزي، وهو ما رد عليه رياض سلامة في مقابلة مع قناة "الحدث" بالقول " أنه مستعد للمسار القانوني وأنه سيتنحى عن منصبه لو صدر بحقه حكم قضائي"، ناصحاً "القضاء في البدء بملاحقة السياسيين وليس حاكم المصرف المركزي" لافتاً إلى أنهم "يستهدفون حاكم المصرف المركزي لأنهم يخشون استهداف السياسيين".

اما على الصعيد الامني فقد اثارت المناورة التي اجراها "حزب الله" في الجنوب واستعرض فيها سلاحه الصاروخي و قدراته العسكرية عبر محاكاة اقتحام الجدار الفاصل بين لبنان وفلسطين المحتلة واحتلال بعض مواقع للعدو الصهيوني ، الكثير من التساؤلات حول اسبابها وخلفياتها في هذا الوقت بالذات وان كان الحزب قد حرص على التأكيد ان هذه المناورة موجهة فقط لتحذير العدو الصهيوني من مغبة اية محاولة للاعتداء على لبنان حيث شدد رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين على أن «المقاومة على اتم الجهوزية الدائمة كما طلب السيد حسن نصر الله لمواجهة اي عدوان ولتثبيت معادلة الردع التي حمت لبنان وحمت ثرواته»، وأضاف «لا عدو لحزب الله في الداخل، وندعو اللبنانيين إلى الاعتماد على المقاومة في حماية لبنان وثرواته وسيادته، ونحن لن نتخلى عن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، وآجلا ام اجلا سنحررها بالمقاومة لانه لا قيمة للقرارات الدولية، فمن يعيد الحق هي المقاومة والقوة، والمقاومة اليوم هي قوة ممتدة ومحور كامل سيبقى يتطور من غزة والضفة والداخل المحتل ولبنان انطلاقا من الجمهورية الاسلامية الايرانية».

الا ان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع اعتبر مناورة "حزب الله" محاولة مكشوفة للتأثير على الاستحقاق الرئاسي وأكّد أنّه "أما اذا كان يعتقد "حزب الله" أن هذه المناورة بإمكانها أن تزيد من حظوظ مرشحه الرئاسي، فهو مخطئ تمامًا"، معلنًا أنّ "بالخلاصة، إنّ المناورة التي أجراها "حزب الله" يوم أمس في الجنوب هي تصرف أرعن لن يتضرّر منه سوى لبنان، وآمال شعبه في قيام دولة فعلية تخفِّف من عذاباته ، كما أنه لن يؤثر سلباً إلا على بعض أجواء الانفراجات التي سادت مؤخراً على المنطقة العربية، وبالتالي خطوة "المناورة" لن تستفيد منها إلا إسرائيل".

والسؤال الذي يطرح نفسه في ظل حالة الارباك والفوضى التي تعيشها الساحة اللبنانية على المستويات السياسية والامنية والقضائية هو : الى متى يبقى لبنان واللبنانيين رهينة لمصالح وحسابات الطبقة السياسية الممسكة بالوضع اللبناني ؟

الاجابة على السؤال قد لا تكون متوفرة نظرا لتداخل الحسابات السياسية بالطائفية و المذهبية وحتى بالمناطقية بين مختلف القوى السياسية ، لكن قضية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تعطي اجابة واضحة عن طبيعة التعقيدات التي تحيط بالملف اللبناني بكل تشعباته ، فالرجل الذي عين حاكما لمصرف لبنان منذ شهر آب من العام 1993 ومازال في موقعه حتى الآن ، كان ومايزال امين الاسرار المالية لكل الطبقة الحاكمة التي اوصلت لبنان الى الافلاس السياسي والمالي والاقتصادي ولذلك لايبدو رياض سلامة خائفا من مذكرة الاحضار القضائية الفرنسية وقال بكل صراحة لقناة الحدث الفضائية انه ينصح "القضاء في البدء بملاحقة السياسيين وليس حاكم المصرف المركزي" ، ولعل ذلك هو الذي دفع الطبقة السياسية الى الدفاع عنه في اللقاء التشاوري الوزاري الذي عقد في السراي الحكومي حيث أنهى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الجلسة بالإشارة إلى أنّه بناء على المواقف التي تمّ استعراضها في الجلسة والاتصالات التي سبق وأجراها، لا وجود لثلثي أعضاء مجلس الوزراء يؤيد الإقالة، وهو الشرط المطلوب لاتخاذ القرار. ما يعني أنّه لا يجوز عقد جلسة لمجلس الوزراء تحت هذا العنوان تكون نتيجتها سقوط قرار الإقالة، وتتحول بالتالي بمثابة تغطية لسلامة.

واللافت انه في هذه الجلسة اجتمعت كل الاطراف السياسية المشاركة في الحكومة ومنها من كان دائما يطالب بإقالة رياض سلامة ، فالمصالح السياسية والمالية تجمعهم ولو كان ذلك على حساب امن واستقرار لبنان.

بسام غنوم