بسام غنوم

لم تحجب التطورات العسكرية المتلاحقة في جرود عرسال والاستعدادات القائمة لمعركة جرود القاع ورأس بعلبك حالة التخبط الحكومي والتردد السياسي التي تعيشها الحكومة، في ظل ما يشبه الفلتان السياسي بكل ما يتعلق بالأداء الحكومي في أكثر من ملف أمني وسياسي واقتصادي.
فعلى الصعيد الأمني ما زالت تداعيات غياب الدولة عن معركة جرود عرسال تلقي بثقلها على مجمل الواقع الحكومي، وخصوصاً في ظل التحضيرات القائمة لمعركة جرود القاع ورأس بعلبك، حيث تتحدث الحكومة عن معركة سيخوصها الجيش اللبناني يمنفرداً دون أية مساعدة من أحد، لا من «حزب الله» ولا من الجيش السوري.
يتحدث النائب نواف الموسوي عن ان «حزب الله لن يترك الجيش اللبناني وحيداً في معركته ضد داعش في جرود القاع».
أما على الصعيد السياسي، فتبرز الضغوط التي يقودها «حزب الله» من أجل تطبيع العلاقات بين لبنان الرسمي ونظام بشار الأسد، حيث يرى الوزير محمد فنيش أن «مسألة ذهاب بعض وزرائنا الى سوريا هي أمر طبيعي، ولا سيما أننا نسعى من أجل تحقيق مصلحة لبنان، والعلاقة مع سوريا هي علاقة بين دولتين بينهما علاقات دبلوماسية واتفاقيات لا يستطيع أحد أن ينكرها».
وينسحب التخبط الحكومي أيضاً على الموضوع الاقتصادي حيث ما زالت سلسلة الرتب والرواتب التي أقرها مجلس النواب محل جدل سياسي واقتصادي بين اللبنانيين، وهو ما عبر عنه بوضوح اللقاء الحواري الاقتصادي الذي دعا إليه الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا، فبرز البيان الشديد بين موقف الرئيس سعد الحريري وأعضاء الحكومة المؤيدين لإقرار السلسلة، وموقف الهيئات الاقتصادية وممثلي المدارس الخاصة من تأثير إقرار السلسلة على حياة اللبنانيين وعلى مجمل الوضع الاقتصادي.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي أسباب التخبط والتردد الحكومي التي تطبع أداء الحكومة ورئيسها بطابعها الخاص؟
لعل السبب الأول لحالة التخبط والتردد الحكومي هو التسوية السياسية التي جاءت بالرئيس سعد الحريري رئيساً للحكومة.
فالرئيس الحريري أصبح رئيساً للحكومة بعد تسوية سياسية جاءت بالرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية، واتفق خلالها على عدم الخوض في الحكومة بالقضايا الخلافية، ولا سيما ما يتعلق بسلاح «حزب الله»، والموقف ممّا يجري في سوريا، وخصوصاً لناحية مشاركة «حزب الله» في القتال الى جانب النظام السوري.
هذه التسوية التي كان يأمل فيها الرئيس سعد الحريري أن تعطيه حرية في تناول الشأن الاقتصادي لكونه تنازل بموجبها عن ملف سلاح حزب الله وتدخل الحزب في سوريا، لم يلتزمها التيار الوطني الحر و«حزب الله».
فحزب الله بعد التطورات العسكرية الأخيرة في سوريا وجرود عرسال يريد استثمار تورطه العسكري والسياسي في سوريا في الوضع السياسي اللبناني لناحية تطبيع العلاقات بين لبنان الرسمي ونظام بشار الأسد وقد تصاعدت الدعوات في الأيام القليلة الماضية من قبل السيد حسن نصر الله والرئيس نبيه بري لتطبيع العلاقة مع النظام السوري. وقال الرئيس نبيه بري تعليقاً على اعتراض الرئيس الحريري على قرار وزير الصناعة حسين الحاج حسن بالذهاب الى سوريا بصفته الرسمية: «يعترضون على زيارة وزيرين وحزب الله كله في سوريا».
ويبدو أن تطبيع علاقات لبنان الرسمي مع النظام السوري ليس إلا قضية وقت، حيث إن اعتراض الرئيس سعد الحريري على زيارة وزيري حزب الله وحركة أمل لسوريا هو مجرد اعتراض شكلي لا أكثر ولا أقل، لأنه قبل بالزيارة على الصعيد الشخصي وليس بقرار من الحكومة، ومع ذلك قال الوزير حسن الحاج حسن انه سيزور سوريا بصفته الرسمية.
السبب الثاني للعجز الحكومي هو الوضع الاقتصادي، وعجز الحكومة عن تقديم أي شيء لإنعاش الاقتصاد اللبناني بفعل التسوية السياسية بين الرئيس عون والرئيس سعد الحريري.
فرغم مرور تسعة أشهر على تأليف حكومة «استعادة الثقة» برئاسة الرئيس سعد الحريري، وما يقارب السنة على انتخاب الرئيس عون رئيساً للجمهورية لم يشهد الوضع الاقتصادي في لبنان تحسناً في أي صعيد، بل ازداد الوضع سوءاً في مختلف القطاعات الاقتصادية، ولا سيما في قطاعي الصناعة والتجارة، وقطاع المقاولات وخصوصاً قطاع البناء الذي يشهد تراجعاً كبيراً وصل الى ما يقارب الـ42٪ بحسب دراسة صادرة عن فرنسبنك، وهو ما انعكس سلباً على أوضاع اللبنانيين الاقتصادية والاجتماعية.
وفي ظل هذه المعاناة، أقر المجلس النيابي بفعل ضغوط سياسية وحسابات انتخابية سلسلة الرتب والرواتب، وهي التي تكلف سنوياً ما يقارب 1700 مليار ليرة لبنانية، وقد عمدت الحكومة الى إقرار سلة كبيرة من الضرائب لتحويل السلسلة التي يستفيد منها 25٪ من الشعبي اللبناني، فيما سيعاني ثلثا الشعب اللبناني من نتائج إقرار سلسلة الرتب والرواتب، ولا سيما على صعيد ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وارتفاع كلفة التعليم ما بين 35٪ و50٪، وهو ما سيزيد الوضع الاقتصادي تردياً، ولذلك عقد اللقاء الاقتصادي الحواري في بعبدا من أجل التغطية على إقرار السلسلة التي ستترك تداعيات كثيرة على حياة اللبنانيين.
باختصار، الرئيس سعد الحريري أصبح أسير التسوية السياسية التي جاءت به رئيساً للحكومة، وهو يأمل في ظل حالة الضعف التي يعيشها تيار المستقبل على الصعيد الداخلي، وحالة التردد على الصعيد الإقليمي ولا سيما بالنسبة إلى الوضع في الخليج، ان يحافظ على موقعه السياسي في رئاسة الحكومة، ولو كان ذلك ثمنه المزيد من التنازلات لـ«حزب الله»، والتيار الوطني الحر.}
بسام غنوم