بسام غنوم

يبدو ان الاستحقاق الرئاسي مرشح لمزيد من الأخذ والرد رغم الأجواء الايجابية التي يحاول العماد عون ونواب التيار الوطني الحر بثها اعتماداً على التفاهمات التي جرت بين الوزير جبران باسيل والسيد نادر الحريري والتي قيل انها تتلخص بقيام العماد عون بتغيير لهجة خطابه السياسي والطائفي تجاه الطائفة السنّية في مقابل إعلان الحريري رسمياً تبني ترشيح عون الى رئاسة الجمهورية.
لكن يبدو ان الرياح السياسية تجري عكس ما يشتهي الجنرال عون الذي اصطدم أولاً بمطلب السلة السياسية التي يطالب بها الرئيس بري كـ«ممر إلزامي» الى رئاسة الجمهورية، وهو ما رفضه العماد عون والبطريرك صفير على اعتبار ان «سلة بري» هي بمثابة «شروط سياسية غير دستورية» تقيد وتحد من صلاحيات رئيس الجمهورية.
إلا أن «الانتفاضة المسيحية» على سلة بري السياسية لم ترغم الرئيس بري على التراجع عنها، بل ازداد إصراراً وعتاداً وقال انه لن يخضع للضغوط ولن يقبل بانتخاب عون، وهو ما دفع بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الى دعوة عون في خطبة عاشوراء الى التفاهم مع الرئيس بري والنائب سليمان فرنجية حتى تسير أمور ترشيحه سيراً سليماً.
في ظل هذه المعطيات يصر العماد عون ونوابه وحلفاؤه على ان الرئيس سعد الحريري سيعلن هذا الأسبوع تبنيه ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية، وان جلسة 31 تشرين الأول الجاري قد تكون جلسة الانتخابات التي توصل عون إلى قصر بعبدا.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يكفي ترشيح الحريري لعون لإنجاز الاستحقاق الرئاسي أم ان المطلوب هو ان يرفع الحريري الراية البيضاء أولاً؟
يبدو بكل وضوح من السجال الدائر في صفوف فريق 8 آذار حول توجه الحريري لتبني ترشيح العماد عون ان المطلوب غير ذلك أو أكثر من ذلك إن صح التعبير.
فبالنسبة إلى العماد عون فقط لا غير المطلوب تبني سعد الحريري بصورة رسمية الترشيح، وبذلك تفتح أبواب قصر بعبدا أمام العماد عون. لكن حسابات عون السياسية لا تتطابق مع حسابات «حزب الله» والرئيس بري، والنظام السوري.
فبالنسبة إلى «حزب الله»، المطلوب حتى يوافق أولاً على «فلان» رئيساً للحكومة كما جاء في خطاب نصر الله في ذكرى عاشوراء الوصول أولاً إلى تفاهمات على الحكومة رئيساً وأعضاء وحقائب، والتوصل إلى اتفاق على قانون للانتخاب، وقبل ذلك موقف رسمي وواضح من سلاح حزب الله والمقاومة، والاستراتيجية الدفاعية، ودور الرئاسة الأولى، والتدخل في سوريا وغيرها من البلدان.
ويتماهى الرئيس بري مع حزب الله في هذا الموقف بخصوص رئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة، والحقائب الوزارية، وهو قال بصراحة إنه لا يقبل أن يقرر جبران باسيل ونادر الحريري كل هذه الأمور وحدهما، وبعد ذلك يطلب منه التوقيع على هذا الاتفاق. فالرئيس بري يرى ان اتفاق عون - الحريري بمعزل عن التفاهم معه أولاً هو بمثابة عودة للثنائية السنّية - المارونية مثلما كانت أيام الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح، وفي ذلك حسب الرئيس بري انتقاص من دور الطائفة الشيعية, وهذا أمر غير مقبول اطلاقاً.
أما الموقف السوري من اتفاق عون والحريري, فقد عبّر عنه الوزير السابق وئام وهاب الذي طالب الرئيس سعد الحريري  بـ«استغفار» دمشق عن «آثامه السياسية» حتى يسمح له بالعودة الى رئاسة الحكومة.
إذاً المطلوب من الرئيس سعد الحريري جملة أمور حتى يستطيع الوصول إلى رئاسة الحكومة بعد إعلانه بصورة رسمية تبني ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية، وهذه الأمور هي:
- التفاهم مع حزب الله على قانون جديد للانتخابات النيابية يضمن للحزب وحلفائه أكثرية نيابية.
- التفاهم مسبقاً على الحكومة وأعضائها وحقائبها، وخصوصاً ما يتعلق بالثلث المعطل حتى يضمن الحزب ولاء الحكومة، دون أن ننسى نص البيان الوزاري للحكومة على دعم المقاومة وثلاثية الجيش والشعب والمقاومة.
- عدم المسّ بتدخل حزب الله في الشأن السوري وفي غيره من البلدان، وإقامة علاقات طبيعية بين لبنان والنظام السوري.
وأوضح ان هذه الشروط السياسية الكبيرة التي تمثل انتحاراً سياسياً للرئيس سعد الحريري هي التي يطالب بها حزب الله أولاً كمدخل لانتخاب رئيس للجمهورية، وهي شروط يبدي الرئيس الحريري قبولاً مضمراً بها، وهو ما عبر عنه الوزير وليد جنبلاط عبر موقع تويتر بالقول: كلمة السر.. الله يستر.
لكن الرئيس سعد الحريري الذي يحاول إحراق كل مراكبه السياسية تحت عنوان محاولة «إنقاذ لبنان» عبر تبنيه ترشيح العماد عون، والقبول أو بالأحرى الاستسلام لشروط «حزب الله» والنظام السوري وإيران، هل يستطيع تحمل هذا الثمن السياسي الكبير سياسياً وشعبياً من أجل انقاذ نفسه والوصول مجدداً الى رئاسة الحكومة؟
بالخلاصة، حتى يتم إنجاز الاستحقاق الرئاسي المطلوب ليس فقط تبني ترشيح العماد عون، بل المطلوب من سعد الحريري ان يرفع الراية البيضاء عالياً. فهل يقبل بذلك؟