بسام غنوم

قبل ما يقارب ثلاثة أشهر من الانتخابات النيابية المقرر اجراؤها في السادس من شهر أيار المقبل، يغرق لبنان في الخلافات الرئاسية، وخصوصاً بين الرئيسين عون وبري. ويبدو الرئيس سعد الحريري عاجزاً عن فعل شيء من أجل حل الخلاف الرئاسي حول مرسوم ترقية ضباط دورة عام 1994 الذي تحول من خلاف دستوري الى خلاف طائفي ووصل إلى موضوع المس بتطبيق اتفاق الطائف.
وإذا كانت الخلافات الرئاسية متفاقمة حول الصلاحيات والسياسات، فإن الانتخابات النيابية القادمة حاضرة، ولكن من زاوية المزايدات على مصالح الطوائف فقط لا غير، حيث لا مشاريع أو برامج انتخابية للمرشحين. وفي هذا الإطار تبرز مواقف وزير الخارجية جبران باسيل الذي قال خلال زيارة أجراها لبلده رحبة العكارية إن «الصوت كان مسحوقاً لكن أيام سحق الأصوات وأيام المحادل انتهت بقانون الانتخاب الجديد»، مؤكداً «أننا نريد ان نقول للجميع اننا أقوياء وان تهميشنا لم يعد ممكناً واليأس والإحباط تبخر»، وهو ما يكشف حجم الاهتراء السياسي والطائفي الذي يعيشه لبنان عشية الانتخابات النيابية القادمة.
وفي نفس السياق المرتبط بالانتخابات النيابية تبدو المزايدات المرتبطة بالوضع الاقتصادي والتي يتولاها الرئيس سعد الحريري الذي تحدث في لقاء حواري مع اقتصاديين عن خطط وبرنامج استثماري بقيمة 16 مليار دولار تشمل أكثر من 250 مشروعاً إنمائياً «ستكون لكل المناطق اللبنانية حصة كبيرة منه ولكن الحصة الأكبر ستكون للشمال» ربطاً بكونها «منطقة منسية»، ويبدو ان موضوع الربط السياسي الذي يبرر به الرئيس الحريري العلاقة مع «حزب الله» بعبارة «ربط نزع»، قد انتقل الى الربط مع أهالي الشمال عبر رابط الـ«منطقة منسية»، وهو ما يكشف حجم المخاوف الانتخابية لتيار المستقبل والرئيس الحريري في منطقة الشمال التي كانت في السابق الخزان الشعبي والنيابي الأكبر للرئيس سعد الحريري ولتيار المستقبل على وجه الخصوص.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تنفع المزايدات الطائفية والسياسية والاقتصادية في غياب البرامج الانتخابية عشية الانتخابات النيابية؟
في هذا الإطار تبدو استراتيجية التيار الوطني الحر قائمة على مبدأ «علي وخود جمهور» في تحفيز الساحة المسيحية تحديداً من أجل كسب مزيد من المقاعد النيابية والأصوات الانتخابية، ولو كان ذلك على حساب العلاقة بين الطوائف اللبنانية المختلفة والعيش المشترك بين اللبنانيين.
فالوزير جبران باسيل يرفع شعار استعادة حقوق المسيحين المسلوبة بعد تطبيق اتفاق الطائف ويقول إن الوقت حان لاستعادة هذه الحقوق، وموقفه الأخير الذي أطلقه في قرية رحبة والذي قال فيه: «إننا نريد ان نقول للجميع إننا أقوياء وإن تهميشنا لم يعد ممكناً واليأس والاحباط تبخر»، موجه بالأساس الى الساحة المسيحية أولاً، والى باقي الطوائف اللبنانية ثانياً، وهو يعكس نفساً طائفياً لا يليق بحزب يرفع شعار العلمانية والدولة المدنية وإذا به يتحول الى حزب يطالب فقط بـ«حقوق المسيحيين»، وحقوق المسيحيين التي يتحدث عنها الوزير باسيل مرتبطة فقط بالتيار الوطني الحر، ويؤكد ذلك الخلاف القائم مع حزب القوات اللبنانية الذي أقام تفاهماً مع التيار الوطني الحر تحت عنوان «تفاهم معراب»، حيث رغم وجود هذا التفاهم بين الطرفين فإن الوزير باسيل يمنع حزب القوات من أي مكسب في إدارات الدولة، وحتى أي تعيين لأشخاص مرشحين من قبل القوات وإن كانوا غير مرتبطين حزبياً بالقوات اللبنانية مثلما جرى في التعيينات القضائية الأخيرة، وكما هو حاصل في تلفزيون لبنان، حيث يرفض الوزير باسيل البحث في موضوع تعيين مدير عام لتلفزيون لبنان في مجلس الوزراء رغم وجود عدة مرشحين، لأن ذلك أتى من وزير القوات ملحم رياشي.
وإذا كانت العلاقة بين التيار والقوات مع وجود تفاهم بينهما على هذا المستوى، فإن العلاقة مع حزب الكتائب والشخصيات المسيحية المستقلة مثل النائب بطرس حرب في أسوأ أحوالها بسبب رفض سياسات التيار الوطني في قضايا الكهرباء والنفايات، وهو ما يؤكد ان شعار «حقوق المسيحيين» الذي يرفعه الوزير باسيل انما هو للاستهلاك الانتخابي لا أكثر ولا أقل.
أما بالنسبة إلى الرئيس سعد الحريري، فإن المزايدة الانتخابية تأخذ العنوان الاقتصادي ارتباطاً بوالده الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي دخل الساحة السياسية في لبنان من الباب الاقتصادي، والذي فتح له لاحقاً كل الأبواب السياسية والنيابية في لبنان.
وفي هذا الإطار يتحدث الرئيس سعد الحريري عن ثلاثة مؤتمرات قادمة بخصوص لبنان: الأول مؤتمر روما 2 نهاية شهر شباط، المخصَّص لدعم الجيش اللبناني، ومؤتمر سيدر-1 المعروف بمؤتمر باريس-4 مطلع شهر نيسان المقبل والمخصَّص لدعم الاستثمار في مشاريع انمائية والمحاربة لتحصين لبنان اقتصادياً، ومؤتمر بروكسل-2 عن اللاجئين السوريين في لبنان والمنطقة المقرر في شهر أيار القادم.
ويحرص الرئيس الحريري على الربط بين هذه المؤتمرات ونتائجها المتوقعة على الاقتصاد اللبناني، والانتخابات النيابية القادمة، حيث يتحدث عن نموّ قادم في عام 2018 بمعدل 6و7 في المئة وعن برنامج استثماري بقيمة 16 مليار دولار يشمل أكثر من 250 مشروعاً انمائياً «ستكون لكل المناطق اللبنانية حصة كبيرة منه، ولكن الحصة الأكبر ستكون للشمال» ربطاً بكونها «منطقة منسية» كما قال. ولا يفوت الرئيس سعد الحريري مغازلة الهيئات الاقتصادية ورجال الأعمال من أجل دعمه انتخابياً، إذ يؤكد أن حصة القطاع الخاص من مشاريع الحكومة القادمة ستقارب 7مليارات دولار.
باختصار، لبنان من الآن وحتى الانتخابات النيابية القادمة في 6 أيار المقبل سيكون تحت تأثير مزايدات طائفية وسياسية واقتصادية اثبتت السنوات السابقة فشلها بسبب الفساد الذي يفتك بالدولة اللبنانية، وبسبب الطائفية التي تحكم علاقات القوى السياسية بعضها ببعض، وبالتالي فإننا مقبلون على انتخابات تغيب عنها البرامج الانتخابية الحقيقية و«علّي وخود جمهور». فهل يسقط اللبنانيون في الفخ الذي ينصب لهم؟}