العدد 1359 / 24-4-2019
بسام غنوم

يحتل انجاز موازنة العام 2019 قائمة الاهتمامات على الساحتين السياسية والشعبية ، فالتردي الاقتصادي الذي يضرب لبنان في هذه الأيام والذي يطال مختلف القطاعات الاقتصادية وان بنسب مختلفة لم يسبق له مثيل حتى في اشد ايام الحرب في لبنان عام 1975 وكذلك اثناء الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 وما بعده ، وذلك لان الأموال والمساعدات المالية والعينية كانت تأتي الى لبنان واللبنانيين من مختلف الجهات والدول وبلا حساب كما يقال .

لكن في هذه الأيام الصعبة رغم الاستقرار الأمني الذي ينعم به لبنان ، ورغم انتظام عمل مؤسسات الدولة واجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل حكومة وفاق وطني برئاسة الرئيس سعد الحريري فان الاوضاع المالية والاقتصادية للدولة ولعامة اللبنانيين ليست بخير على الاطلاق ، بل يمكن القول انه للمرة الأولى في تاريخ لبنان بعد الاستقلال عن فرنسا في العام 1943 تصل احوال الدولة الى حالة الافلاس المالي وهذا ما تحدث عنه صراحة الرئيس سعد الحريري الذي حذر من ان استمرار الأمور على ماهي عليه يمكن ان يؤدي الى افلاس الدولة كما حدث في اليونان عام 2015 .

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : اذا كان الوضع المالي والاقتصادي للدولة على هذا المستوى من الخطورة فلماذا الاستمرار في سياسة المزايدات السياسية في الشأنين الاقتصادي والمالي ؟

في الأيام القليلة الماضية كان اللبنانيون على موعد مع مواقف سياسية واقتصادية لا تتناسب مع ما يعيشه لبنان من أزمات مالية واقتصادية .

فبعد تصريح وزير الخارجية جبران باسيل عن ضرورة خفض رواتب موظفي القطاع العام حتى تستطيع الدولة دفع رواتب الموظفين ، بدأت سلسلة تحركات ومواقف ومن أطراف مختلفة تتخذ مواقف شعبوية عنوانها رفض تخفيض رواتب القطاع العام ، ورفض خفض النفقات في بعض مؤسسات الدولة مثل التدبير رقم ثلاثة الذي يخص الجيش اللبناني ، والبعض تحدث عن حماية الطبقات الفقيرة واصحاب الدخل المحدود .

ومن ثم بدأت تحركات واعتصامات لهيئة التنسيق النقابية رفضاﹰ للمساس برواتب الموظفين مع تهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور اذا تم المس برواتب موظفي القطاع العام .

واذا كانت التحركات النقابية تعتبر طبيعية لأنها تمس مصالح فئة من اللبنانيين حصلوا على زيادات حيالية في رواتبهم ومخصصاتهم بعد اقرار سلسلة الرتب والرواتب ، فان مواقف بعض المسؤولين في الدولة من الشأنين المالي والاقتصادي وخصوصاﹰ بالنسبة لموازنة العام 2019 لا تتناسب تماماﹰ مع خطورة الوضع الاقتصادي والمالي الذي يمر به لبنان .

فالرئيس ميشال عون وبعد لقائه مع البطريرك بشارة الراعي في بكركي بمناسبة عيد الفصح , قال ان "لبنان يمر بأزمة تتم معالجتها ، وعلى الجميع العمل ليل نهار للانتهاء منها في أسرع وقت ، لأن الوضع لا يسمح بالتمادي بالوقت" ودعا "من ليس لديه خبرة لانهائها بسرعة ليتفضل الى بعبدا ونحن نقوم بانهائها له" ، وقد أثار هذا الموقف حفيظة الرئيس سعد الحريري , ووزير المالية علي حسن خليل الذي أكد انه جاهز لمناقشة موازنة العام 2019 في اي وقت اما الرئيس سعد الحريري فقال رداﹰ على سؤال عما قاله الرئيس عون يوم الاحد واذا كان يقصده به :"أنا لا أريد الرد ، أفهم ان كلا من الاحزاب السياسية يريد ان يزيد رصيده ولكن بالنسبة الي هي النتيجة ، وان يقر مجلس الوزراء موازنة فيها اصلاح كبير جداﹰ ، من أجل مستقبل اولادنا" وختم قائلاﹰ "نريد ان نأكل العنب ولا نريد قتل الناطور" .

وأظهرت هذه المواقف المتباينة من موضوع موازنة العام 2019 ان هناك خلافات وصراعات بين الرؤساء حول طبيعة الأمور المطلوبة على صعيد خفض النفقات وطبيعة الاجراءات الاصلاحية المطلوبة في موازنة 2019 ، واكد ذلك وزير الاقتصاد منصور بطيش الذي يمثل التيار الوطني الحر في الحكومة الذي قال :"ان لدى فريقنا السياسي وجهات نظر مختلفة الى حد ما عن التوجهات المطروحة... ونحن ننتظر طرح الموازنة على مجلس الوزراء لنناقش كل الأفكار والمقترحات التي نطرحها" .

ويبدو من هذه المواقف السياسية المتبادلة رئاسياﹰ وحكومياﹰ ان هناك من يريد ارجاع الفضل له ولتياره السياسي في حل الازمة الاقتصادية ، وانه المرجع الصالح للحل في لبنان ، وهو مايشبه الخلاف على جلد الدب قبل صيده ، مع ان كل اللبنانيين يريدون حلاﹰ سريعاﹰ لوضعهم الاقتصادي ولايهمهم من سيأتي بالحل .

فهل ستجتمع الكلمة على حل سريع بعيداﹰ عن المزايدات السياسية لهذا الطرف او ذاك ام ان الخلافات السياسية ستسقط لبنان في هاوية الافلاس المالي ؟

بسام غنوم