وائل نجم - كاتب وباحث

لا يكاد يمرّ يوم في لبنان دون أن تسمع في نشرات الأخبار أن الأجهزة الأمنية دهمت مخيماً أو تجمّعاً للاجئين السوريين وأوقفت عدداً منهم بتهم الدخول إلى لبنان بطريقة غير قانونية، وكأنهم لم يتركوا بلدهم فراراً من البراميل المتفجرة التي تطاردهم في كل ناحية من أنحائها. لا يكاد يمرّ يوم إلا نسمع فيه أن القوى الأمنية صادرت دراجات نارية تعود للاجئين السوريين في مخيمات لم يصل – ربما – الاسفلت لها بعد، أو أنها تعقّبت عمّالاً بالكاد يحصّلون لقمة عيشهم لهم ولأبنائهم. وكل ذلك قد يكون مقبولاً ومفهوماً من أجهزة تعتبر ذلك جزءاً من وظيفتها وعملها اليومي، وإن كانت مرجعياتها السياسية لا تقيم وزناً للأوضاع التي فرضت على اللاجئين هذه الظروف الصعبة التي لا يكاد بشر يتحملها. 
وإذا انتقلنا إلى كيفية تعامل البلديات مع اللاجئين، يكاد الأمر يكون مدهشاً لجهة هذا التعامل من كثير من البلديات على امتداد مساحة الوطن. فمن قرارات منع التجوّل ليلاً التي تخالف ابسط قواعد وقوانين حقوق الانسان، فضلاً عن اللجوء،  إلى استغلال الكثير من البلديات للاجئين في أعمال السخرة مقابل السماح لهم بالإقامة في نظاقهم البلدي! إلى قيام بعض البلديات بفرض خوّات على اللاجئين مقابل السماح لهم بالعمل في النطاق البلدي! إلى تصنيفهم درجة ثانية أو ربما ثالثة في العديد من البلدات! إلى غيرها من العوامل والقرارات التي تثير داخل نفوس اللاجئين نوعاً من السخط على المجتمع الذي لجأوا إليه مضطرين، فيما تثير في نفوس الكثيرين نوعاً من الشفقة على أولئك اللاجئين الذين يعيشون حالات البؤس تلك. 
وإذا انتقلنا من البلديات إلى أرباب العمل، سواء كانوا أصحاب شركات كبرى، أو معامل متواضعة، أو حتى اصحاب ورش عادية، فحدث ولا حرج عن الاستغلال الرخيص للاجئين، رجالاً ونساءً، أطفالاً وغير أطفال، وكل ذلك يجري تحت سيف التهديد بحرمانهم العمل، الذي يعني بالنسبة إليهم قطع حبل السرة الذي يتغذون منه. 
ولا ننسى حتى العديد من الجمعيات الاغاثية التي باتت تستغل اسم اللاجئين لجمع ثروات طائلة يستخدمها ويتصرّف بها القيّمون على أمر تلك المؤسسات التي تعنى بالعمل الاغاثي والخيري من دون التعميم طبعاً، ومن دون أن ننسى أن عدداً كبيراً من هذه المؤسسات يقوم بدور كبير وجبّار في خدمة اللاجئين. 
القضية الأخطر في كل أولئك هي في الإعلام الذي يستهدف بعضه، إن لم نقل الكثير منه، اللاجئين في حملة تهدف إلى تشويه صورة اللاجئين وإخراجها بأبشع صور. فعندما نسمع خبراً عن جريمة من الجرائم تُلصَق التهمة فوراً، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، باللاجئين السورييين. وعندما يقع عمل مدان دائماً ومباشرة تتوجه اصابع الاتهام في الاعلام إلى اللاجئين. وغالباً ما تلصق صفقة السوري على اي موقوف في اية جريمة أو جرم حتى لو كان بسيطاً أو متواضعاً. وهكذا تشوَّه صورة اللاجىء تماماً كما يجري تشويه صورة المسلم في الاعلام العالمي عبر نسب أي عمل «إرهابي» أو جرمي إلى المسلمين، في وقت قد لا يكون للإسلام أو المسلمين أية علاقة بالحادثة. 
وإذا ذهبنا إلى مراقبة تعاطي بعض السياسيين، فإننا نرى أن هناك من يتعامل بعنصرية منقطعة النظير مع اللاجئين السوريين دونما اعتبار للأوضاع التي دفعتهم إلى اللجوء، ولا إلى الظروف التي يعيشونها، وهنا نجد من بين السياسيين من يروّج أن اللاجئين هم المسؤولون عن أزمة الكهرباء، ومنهم من يروّج أنهم مسؤولون عن أزمة النفايات، ومن يروّج أنهم مسؤولون عن أزمة الركود الاقتصادي، علماً أن مبالغ مالية كبيرة وضخمة تضخ إلى الدائرة الاقتصادية اللبنانية بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر من طريق هؤلاء اللاجئين، ومن المسؤولين من يمكن أن يذهب إلى تحميل اللاجئين مسؤولية الفراغ في سدة الرئاسة الأولى، أو ربما في كل حالة المراوحة والشلل التي تعيشها البلاد. فلماذا يجري كل ذلك؟ ومن يقف خلفه؟
الحقيقة أن هناك صنفين من الناس يقفان خلف هذه الحملة التي تستهدف شيطنة اللجوء السوري في لبنان. الصنف الأول يتحرك بدافع تاريخي يحمل الكثير من الكراهية للشعب السوري، بل لجزء من الشعب لاعتبارات ليست خافية على أحد على الاطلاق، وهذا الصنف قد تعامل بنفس الطريقة مع اللاجئين الفلسطينيين، فحرمهم أبسط الحقوق الإنسانية على مدى عقود، لأنه يخشى مما يعتبره التغيير الديمغرافي القائم والمستند إلى الانتماء المذهبي والطائفي، وهذا الصنف لا يمكن أن يزايد في الوطنية وهو ينطلق من هذه الخلفية في التعاطي مع هذا الملف الإنساني، ولا يدرك – ربما – حجم الخطورة التي تترتب على مثل هذا التصرّف، سواء عليه أو على مستقبل لبنان. وأما الصنف الثاني فهو الذي يتحرك من خلفية تشبه إلى حد ما خلفية الصنف الأول، خاصة لجهة القلق من التغيير الديمغرافي المزعوم، ولكن الاشكالية مع الصنف الثاني أنه المسؤول عن تهجير اللاجئين السوريين من قراهم وبلداتهم، ويريد أن يستكمل حملته من خلال شطينتهم من أجل استكمال مشروع الترانسفير الذي بدأه مع اللاجئين لإخراجهم من البلد نهائياً، فهو بات يشعر بأنهم يشكلون «خطراً» عليه في نواحٍ كثيرة بعد تفاقم أعدادهم وانتشارهم الواسع على كل مساحة الوطن، لذا يهدف من خلال حملة شيطنتهم إلى صبغهم بصبغة «الإرهاب» من أجل تأمين غطاء خارجي يتيح اتخاذ اي شيء بحقهم استكمالاً لمشروع التهجير. 
يبقى أمر لا بدّ من ذكره، وهو أن وزراء في هذه الحكومة أكدوا مراراً أنه لم تسجّل حالة واحدة لتورط اي لاجئ سوري في أي عمل «إرهابي» من الاعمال التي شهدها لبنان في السنوات الماضية، فلماذا هذه الحملة غير المبررة؟ وهل المطلوب عكس ما يصرّح به بعض الأطراف؟!