قاسم قصير

بعد اقرار قانون الانتخابات الجديد (على قاعدة النسبية وتقسيم لبنان إلى 15 دائرة)، بدأت القوى السياسية والحزبية اللبنانية دراسة أوضاعها الانتخابية وخريطة تحالفاتها السياسية في ضوء القانون الجديد.
وقد سارع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى الدعوة لعقد لقاء حواري في القصر الجمهوري، وقد جمع اللقاء رؤساء الأحزاب الممثلة في الحكومة، وكان لافتاً تجاوب رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية مع الدعوة رغم الخلافات القائمة بين تيار المردة والتيار الوطني الحر، وقد استُثني حزب الكتائب والنائب بطرس حرب وشخصيات أخرى من الدعوة.
وأعلن الرئيس نبيه بري فتحه صفحة جديدة مع رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، وبالمقابل أُعلن فتح دورة استثنائية لمجلس النواب.
وكل المؤشرات السياسية الداخلية تشير الى ان لبنان دخل مرحلة جديدة بعد اقرار قانون الانتخابات، وقد بدأت القوى السياسية والحزبية اطلاق ماكيناتها الانتخابية والاستعداد للانتخابات المقبلة.
فما هي طبيعة التحالفات السياسية الجديدة في ضوء قانون الانتخابات الجديد؟ وكيف سيكون موقع القوى السياسية والحزبية ودورها في المرحلة المقبلة؟
التحالفات بين الثابت والمتغير
بداية كيف ستكون طبيعة التحالفات والعلاقات بين القوى السياسية والحزبية المقبلة في ضوء اقرار القانون الجديد؟ وما هو الثابت والمتغير في هذه التحالفات؟
بعد اقرار القانون الجديد مباشرة بدأت تبرز في الساحة السياسية اللبنانية العديد من الاشارات والمؤشرات حول التحالفات الجديدة، وان لم تُحسَم كل الصورة في هذا الاطار، بانتظار تبلور معطيات جديدة ومعرفة مصير الاتصالات الجارية بين مختلف الأطراف والقوى السياسية، التي قد تشهد العديد من المتغيرات منذ الآن وحتى موعد الانتخابات المقبلة. لكن لا بدّ من رصد بعض الاشارات اللافتة في هذا المجال ومنها:
1- إطلاق كل من نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل سلسلة مواقف أكدت استمرار التحالف السياسي والانتخابي بينهما، رغم ان العلاقة بينهما شهدت في الأشهر الماضية بعض أجواء التوتر.
2- الزيارة التي قام بها تيمور جنبلاط (نجل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والمرشح الجديد على المقعد الدرزي في الشوف) الى القوى المسيحية في منطقة الشوف واللقاء الذي جمعه مع نائب رئيس حزب القوات اللبنانية جورج عدوان والاشادة المتبادلة بينهما خلال اللقاء، ما قد يفتح الباب أمام تحالف انتخابي بين الحزب التقدمي والقوات في دائرة الشوف - عاليه.
3- على صعيد العلاقة بين حركة أمل وحزب الله فهي تحافظ على ثباتها واستراتجيتها، ما يؤكد استمرار التحالف الانتخابي بينهما، وخصوصاً في دوائر الجنوب والبقاع.
4- لم تتضح صورة التحالفات التي سينسجها تيار المستقبل في مختلف المناطق، ما سيضع التيار أمام تحديات انتخابية عديدة.
5- القوى الإسلامية على مختلف اتجاهاتها هي في مرحلة اعادة تقويم ومراجعة حول دورها المستقبلي والتحالفات التي ستنسجها مع مختلف الأطراف وفي المناطق المتعددة، مع التأكيد ان هذه القوى تستطيع ان تلعب دوراً فاعلاً في العديد من المناطق لترجيح اللوائح والتحالفات.
المشهد السياسي المستقبلي
لكن كيف ستكون صورة المشهد السياسي المستقبلي في ضوء قانون الانتخابات الجديد؟ ومن هي القوى التي سيتعزز دورها، والقوى التي قد تشهد تراجعاً في كتلتها الانتخابية؟
بالرغم من أن من السابق لأوانه حالياً رسم صورة كاملة ودقيقة للمشهد الانتخابي المستقبلي في ضوء قانون الانتخاب الجديد، فلقد بدأت بعض الدراسات والتقارير واستطلاعات الرأي تتحدث عن بعض المعطيات الأولية في هذا المجال، ومن هذه المعطيات.
1- قد يكون «تيار المستقبل» من أكثر القوى التي سيتراجع حجم كتلتها النيابية، إن بسبب اعتماد النسبية في الانتخابات، لما سيسمح «لمعارض المستقبل» بالحضور، أو نظراً إلى التحالف المستجد بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والتقسيمات الجديدة للدوائر، ما سيضعف من دور «المستقبل» في انتخاب النواب المسيحيين، لكن ذلك لا يمنع ان التيار قد يكسب بعض المقاعد في مناطق جديدة (جزين، البقاع الشمالي، مرجعيون - حاصبيا) وذلك في حال نسج تحالفات قوية.
2- الحزب التقدمي الاشتراكي معرَّض لخسارة بعض المقاعد في دوائر (الشوف عاليه وبيروت والبقاع الغربي). كذلك الأمر بالنسبة إلى حزب الكتائب في بعض الدوائر.
3- حركة أمل وحزب الله قد يخسران بعض المقاعد في البقاع الشمالي والجنوب، لكن بالمقابل قد يربحان مقاعد أخرى في زحلة والبقاع الغربي، وبيروت، ودورهما مرتبط بالتحالفات مع القوى الأخرى.
4- القوى الإسلامية (الجماعة الإسلامية والتيارات السلفية والجمعيات والهيئات المستقلة) ستكون أمام فرصة جديدة لتعزيز دورها وموقعها في البرلمان الجديد في العديد من المناطق (إقليم الخروب، صيدا، طرابلس، عكار، بيروت الثانية، البقاع الغربي، مرجعيون - حاصبيا...)، لكن الأمر متعلق بمدى قدرتها على التحرك الشعبي والتحالفات وهوية المرشحين.
5- تيار المردة سيسعى إلى تعزيز دوره في دائرة الشمال (بشري، زغرتا، الكورة، البترون). كذلك سيحاول الحزب السوري القومي الاجتماعي تعزيز موقعه في بعض الدوائر.
7- هناك شخصيات وقوى ستحافظ على موقعها في بعض المناطق (الرئيس نجيب ميقاتي)، لكن بالمقابل قد نشهد عودة شخصيات سياسية للمجلس النيابي ودخول شخصيات أخرى (النائب السابق الدكتور أسامة سعد، الوزير السابق عبد الرحيم مراد، الوزير السابق أشرف ريفي، الأستاذ فؤاد مخزومي..).
8- على الصعيد المسيحي، ولا سيما في دوائر (كسروان، جبيل، زحلة والبقاع الأوسط، بيروت الأولى، المتن...) الصورة ليست واضحة وقد نشهد متغيرات عديدة وبروز شخصيات جديدة، وان كان التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية يأملان تعزيز دورهما النيابي والسياسي والشعبي.
 إذن لا يمكن مُنذ الآن رسم خريطة حاسمة للمشهد السياسي المستقبلي في ضوء قانون الانتخابات الجديد، مع العلم ان التيارات الأساسية ستحافظ على دورها الفاعل، لكن ذلك لا يمنع من حصول متغيرات وبروز شخصيات وقوى جديدة، ولعل وجود فاصل زمني (نحو عشرة أشهر) لحين اجراء الانتخابات سيعطي الجميع   الفرصة للاستعداد لخوض الانتخابات المقبلة، وحتى أيار 2018 كل الاحتمالات واردة.}
قاسم قصير