العدد 1346 / 23-1-2019
بسام غنوم

لم ينتهي الجدل الذي سبق القمة الاقتصادية العربية التي عقدت في بيروت الاسبوع الماضي ، فالأطراف السياسية الفاعلة في البلد مازالت على مواقفها من القمة ونجاحها .

واذا كان موقف أمير قطر تميم بن حمد بحضور القمة واعلان وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني عن اعتزام قطر شراء سندات خزينة لبنانية بقيمة نصف مليار دولار في اطار "دعم الاقتصاد اللبناني" كما قال ، قد اعطت دفعة معنوية كبيرة للاقتصاد اللبناني وللرئيس ميشال عون الذي اعتبر الخطوة القطرية نجاح حقيقي للقمة وللبنان ، فان الفريق الآخر المعارض للقمة الاقتصادية العربية بسبب عدم دعوة النظام السوري لحضور القمة حرص كما قبل القمة على التأكيد على فشل القمة الاقتصادية العربية بسبب غياب النظام السوري ، وعمل على استثمار ذلك في المشاورات الجارية لتأليف الحكومة ، وفي هذا الاطار اتهم عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب هاني قبيسي الرئيس الحريري بأنه يراعي حليفه الجديد ويقصد به "التيار الحر" الذي يريد الحصول على الثلث المعطل في الحكومة ، وانه "لا يجري اتصالاﹰ واحداﹰ يسعى من خلاله الى تشكيل الحكومة ، ولكنه يجلس غير مبال لكل ما يحصل على مساحة الوطن ويهتم فقط باستقبال هذا او ذاك" .

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل نجحت القمة الاقتصادية العربية في لفت انظار اللبنانيين الى ضرورة تشكيل حكومة في اسرع وقت ممكن ؟

ادى الغياب الكبير للرؤساء والملوك العرب عن قمة بيروت الاقتصادية الى احداث صدمة سياسية كبيرة في مختلف الأوساط اللبنانية .

فالرئيسين عون والحريري كانا يعولان على القمة الاقتصادية كثيراﹰ سواء لناحية الحضور السياسي أولاﹰ وهو لو تحقق لشكل دعماﹰ كبيراﹰ للرئيس عون وللرئيس الحريري ايضاﹰ ، وللاقتصاد اللبناني ثانياﹰ الذي يعاني من أزمة كبيرة بسبب ارتفاع الدين العام وخدمة هذا الدين الذي بات يشكل تهديداﹰ لمالية الدولة وللاقتصاد اللبناني ككل .

لذلك كان غياب الرؤساء والملوك والأمراء العرب باستثناء أمير قطر مؤثراﹰ جداﹰ على القمة ونتائجها سواء على الصعيد السياسي او على الصعيد الاقتصادي .

فعلى الصعيد السياسي عادت المشاورات بعد القمة الاقتصادية الى المراوحة مكانها فيما يتعلق بعملية تشكيل الحكومة الجديدة ، ولم ينتج عن اللقاء بين الرئيس المكلف سعد الحريري والوزير جبران باسيل سوى قول باسيل بعد اللقاء "ان الرئيس الحريري وافق على أكثر من فكرة ، مشيراﹰ الى أن هناك امكانية حقيقية كي تشكل الحكومة في حال كانت هناك نوايا لذلك الموضوع" ، وبعد هذا التصريح للوزير باسيل قال مرجع سياسي ان الاقتراحات تراوح مكانها و "لم يحصل اي تطور" .

أما على الصعيد الاقتصادي ورغم الخطوة القطرية تجاه لبنان بشراء سندات خزينة بقيمة نصف مليار دولار ، فقد سجل تطوراﹰ سلبياﹰ بتمثيل خفض مؤسسة التصنيف الائتماني "موديز" تصنيف لبنان من B- الى Caa1مع رؤية "مستقرة" (اسوة بالعراق واوكرانيا والغابون وزامبيا) ، وربط هذا التصنيف الجديد للبنان بالأزمة الحكومية القائمة وبضرورة قيام حكومة جديدة تقوم باصلاحات مالية هامة تدعم استقرار الاقتصاد الكلي مع خفض نسبة الدين العام دونما حاجة الى اعادة هيكلته كما قال سابقاﹰ وزير المالية حسن خليل .

تبقى نقطة أخيرة وهامة جداﹰ افرزتها القمة الاقتصادية العربية التي عقدت في بيروت بغياب الرؤساء والملوك العرب وهي أن زمن "التشاطر اللبناني" قد انتهى ، وان القادة العرب لم يعودوا ينظرون الى لبنان كما في السابق باعتباره درة التاج في النظام العربي سواء في السياسة او الاقتصاد او الاعلام، وان التحولات التي شهدها لبنان والعالم العربي خلال العقود الأخيرة قد فعلت فعلها ، والدليل على ذلك رفض القادة العرب المشاركة في القمة رغم الاتصالات الكثيفة والمباشرة التي قام بها الرئيسين عون و سعد الحريري معهم ، وهو ما لم يكن يحدث في السابق ابداﹰ .

باختصار ، على المسؤولين اللبنانين ان يراجعوا حساباتهم السياسية بعد القمة الاقتصادية التي عقدت في بيروت ، لأن غياب القادة العرب مؤشر خطير يدل على أن لبنان لم يعد أولوية عربية . فهل يتدارك المسؤولون الأمور قبل فوات الأوان ؟

بسام غنوم