العدد 1397 / 22-1-2020

مع دخول الانتفاضة الشعبية في لبنان شهرها الرابع , بدا ان الأمور أخذت منحى العنف في المواجهات بين المتظاهرين المطالبين بالتغيير وبين القوى الامنية التي وجدت نفسها بين مطرقة المتظاهرين وسندان السلطة ، وقد ادت المواجهات العنيفة في نهاية الاسبوع الماضي الى سقوط مئات الجرحى والمصابين من المتظاهرين وقوى الامن الداخلي التي استعملت للمرة الاولى الرصاص المطاطي في مواجهة المتظاهرين وهو ما ادى الى وقوع اصابات خطيرة في صفوف الشباب والنساء المشاركين في التظاهرات ولم تسلم وسائل الاعلام من رصاص القوى الامنية فسقطت عدة اصابات في صفوف المراسلين الاعلاميين في قناتي الجديد والجزيرة .

هذا التطور في المواجهة المفتوحة بين الحراك الشعبي المنتفض منذ 17 تشرين اول الماضي وحتى الآن ، وفي ظل تجاهل فريق العهد والثنائي الشيعي لمطالب اللبنانيين المحقة بالتغير السياسي ومحاربة الفساد يطرح تساؤلات مشروعة عن اسباب اصرار هذا الفريق على السير بعكس مطالب الناس ، وكأن مايجري لايعنيه حول شكل الحكومة وعدد وزرائها ، وقد مر أكثر من شهر على تكليف حسان دياب تشكيل الحكومة الجديدة ومع ذلك فان الخلافات بين اركان الفريق الواحد مازالت على حالها ،والسبب كما هو معلن الخلاف على المقاعد والحصص الوزارية فيما لبنان يغرق بدماء ابنائه ، وفيما البلد ينهار اقتصادياﹰ واجتماعياﹰ .

والسؤال الذي يطرح نفسه هو " هل العنف الطارئ على الحراك الشعبي بريئ ام تقف خلفه بعض القوى والجهات السياسية ؟

في بداية الجراك الشعبي السلمي في 17 تشرين اول الماضي كانت السلمية هي الشعار الاول للانتفاضة الشعبية اللبنانية ، ويبدو ان سلمية التظاهر والتحركات اربكت قوى السلطة فجرت محاولة اولى لجرها الى العنف عبر استقدام مجموعات من منطقة الخندق الغميق قامت وما لبثت هذه المجموعات بالاعتداء على المحال التجارية في وسط بيروت ، وما لبثت هذه المجموعات ان تراجعت بعد دخولها في مواجهات مع المشاركين في الحراك الشعبي ، الذين اعلنوا براءتهم من هؤلاء المشاغبين .

وبعد استمرار الحركة الشعبية في التظاهرات والتحركات المختلفة وكان اكبرها الاحتفال الذي ايم في وسط بيروت بمناسبة ذكرى الاستقلال والتي شارك فيها اضافة الى الجماهير الغفيرة نخبة المجتمع اللبناني من اطباء ومحامين ومهندسين واساتذة .. الخ اسقط في يد اركان السلطة وبدأت حملة التخوين للمشاركين في التظاهرات والتحركات وقيل انهم ممولون من جهة حزبية وسفارات عربية واجنبية ، وهذا ما ادى الى مواجهات مع الحراك الشعبي في وسط بيروت حيث جاء مناصرو الثنائي الشيعي الى وسط بيروت وقاموا باحراق خيام المعتصمين السلميين ورفعوا شعارات طائفية ومذهبية بهدف جر الحراك الشعبي الى المربع الطائفي والمذهبي ، وهو ما تحققت جزئياﹰ في المواجهات بين اهالي طريق الجديدة والقوى الامنية في كورنيش المزرعة ، وكذلك الامر في مدينة صيدا حيث جاءت مجموعات تابعة للثنائي الشيعي الى ساحة ايليا بعد منتصف الليل وقامت باحراق خيم المعتصمين وهي تهتف: شيعة – شيعة .

كل هذا الواقع يؤكد ان محاولات جر الحراك الشعبي السلمي الى مربع العنف الطائفي والمذهبي بهدف تشويهه والقضاء على سلميته كان هدفاﹰ دائماﹰ لفريق السلطة وعلى كل المستويات السياسية والاعلامية والامنية .

لكن جولات العنف الاخيرة في وسط بيروت زمنطقة الحمرا والتي استهدفت فيها المصارف وبعض المحلات التجارية والتي ادت الى مواجهات عنيفة مع قوى الامن الداخلي ما ادى الى سقوط مايقارب اﻠ 500 جريح من المتظاهرين والقوى الامنية له اسباب اخرى على مايبدو ومنها :

-اصرار القوى السلطوية على تجاهل مطالب الناس ، وغرقها في الخلافات حول الحصص الوزارية ، وكأن البلد بألف خير ، ولا مطالب للناس ولا من يحزنون .

-تصاعد الازمة الاقتصادية مع ارتفاع سعر الدولار الاميركي الى مستويات قياسية ، والارتفاع الكبير باسعار السلع والذي يتزامن مع اقفال الكثير من المؤسسات والشركات التجارية والصناعية .

-يأس الناس من امكانية التغير بالطرق السلمية ، ودخول اطراف مختلفة الجهات والانتماءات على صعيد المواجهات .

باختصار ، لبنان دخل في مرحلة الفوضى الشاملة بكل مافي الكلمة من معنى ، واذا لم يجر تدارك الامور سريعاﹰ فقد تصل الأوضاع قريباﹰ جداﹰ الى مالا تحمد عقباه .

بسام غنوم