بسام غنوم

فيما تغرق البلاد في جدل بيزنطي حول قانون الانتخاب، ومع اقتراب نفاذ المهل الدستورية في 15 نيسان الجاري، وهو ما يهدد بالفراغ على مستوى السلطة التشريعية، إذ بدأت تلوح في الأفق بوادر أزمة حكم بكل ما في الكلمة من معنى.
فهناك فريق يتصرف في الدولة والحكومة وكأنه أصبح القيِّم على الشأن العام في ما يخص مصلحة لبنان واللبنانيين دون سواه من القوى السياسية الموجودة في البلد. واللافت أن هذا الفريق المتمادي في فرض هيمنته على السلطة، مستغلاً ما يسمى التفاهم الرئاسي بين الرئيسين عون والحريري لم يعد يقيم اعتباراً لأحد، حتى لمن شاركه التفاهم الرئاسي.
والغريب في الأمر، أن الرئيس الحريري الذي استنكر استنكاراً شديداً رسالة الرؤساء الخمسة إلى القمة العربية، التي ركزت بصورة أساسية على الثوابت السياسية والسيادية للبنان واللبنانيين، خصوصاً في ما يتعلق بحصرية سيادة الدولة على السلاح، وعلى عدم المس بعلاقات لبنان مع الدول العربية، ولا سيما السعودية ومجلس التعاون الخليجي، لم تثر حماسته لتدخلات وزير الخارجية جبران باسيل في شأن خاص برئيس الحكومة مثل ملف النازحين السوريين في لبنان، حيث أبدى الوزير باسيل للدبلوماسيين الأوروبيين موقفاً مختلفاً عن موقف الرئيس الحريري عشية مؤتمر بروكسل، وعمل على تغطية مخالفة صريحة لقرار مجلس الوزراء بخصوص ملف الكهرباء، وهو ما أثار أزمة مع الفريق الوزاري للرئيس بري الذي اعتبر ما نشر عن الكهرباء في الجريدة الرسمية مزوراً ومخالفاً لقرار مجلس الوزراء، وهو ما ترك تساؤلات عن خلفيات ما يجري في الحكومة، وعن أسباب غض النظر والتساهل، إن لم نقل أكثر من ذلك، الذي يمارسه الرئيس الحريري تجاه فريق الرئيس ميشال عون.
فهل ما يجري في الحكومة من تفاهمات وتسويات، هو الوسيلة الوحيدة لحفظ الأمن والاستقرار، أم أن المصالح السياسية الخاصة هي التي تفرض نفسها؟
في البداية، لا بدّ من التوقف عند موقف لافت لوزير التربية مروان حمادة أطلقه الأسبوع الماضي وقال فيه انه كان على وشك الاستقالة من الحكومة.
وكما هو معروف، فالوزير حمادة من الوزراء الجديين الذين يقيسون الأمور بمقاييس المصلحة العامة أولاً، ولكن يبدو أن ما يجري في مجلس الوزراء قد أخرجه عن طوره، فقال إنّ «سبب رغبته في الاستقالة كان الشعور بأنّ الممارسة الوزارية تتعرض للكثير من التسلل الحزبي والطائفي»، وأضاف: «لا أشعر بأن عناوين الاصلاح التي حملها العهد والحكومة تنتج الاصلاح الحقيقي»، وتابع: «هناك تحالفات في الحكومة تغلب المنطق».
وقد كان يمكن المرور مرور الكرام على موقف الوزير حمادة ممّا يجري في الحكومة، ووضعه في إطار الخلاف السياسي القائم حول قانون الانتخاب. لكن الخلاف الذي برز الى العلن بين الوزراء علي حسن خليل وغازي زعيتر ووزير الكهرباء سيزار أبي خليل حول قرار مجلس الوزراء الأخير بخصوص خطة الكهرباء لناحية أن «الخطة أقرت في المبدأ وسيتم عرض تفاصيلها وما سيتم استدراجه من عروض للبواخر وللخطة الفوتوفولتية وما الى ذلك على مجلس الوزراء»، وما نشر عن مجلس الوزراء عن «إقرار خطة الكهرباء»، وهو ما اعتبره الوزير علي حسن خليل قراراً مختلفاً عن قرار مجلس الوزراء، وتأكيد الأمانة العامة لمجلس الوزراء ان ما صدر عنها هو القرار الصحيح، أثار تساؤلات كثيرة عمّا يجري في الحكومة مثل تلك التي تحدث عنها الوزير مروان حمادة.
وموضوع الكهرباء ليس الموضوع الوحيد المثير للتساؤل والاستغراب، فهناك أيضاً الخلاف الذي ظهر الى العلن بين موقف رئيس الحكومة والوزير جبران باسيل بخصوص موضوع النازحين السوريين في خلال التحضيرات لمؤتمر بروكسل. حيث أبلغ الرئيس الحريري الدبلوماسيين الأوروبيين أن موقف لبنان من النزوح السوري يتلخص بضرورة ايجاد حل سياسي من شأنه أن يسهل عودة النازحين السوريين الى ديارهم، مع تحقيق عودتهم في خلال المرحلة الانتقالية، شرط أن تتوافر لهم الضمانات من قبل الأمم المتحدة التي يجب أن ترعى عودتهم الى مناطق آمنة في سورية.
لكن الوزير جبران باسيل، وعبر الوزير السابق الياس بو صعب، وموظف في وزارة الخارجية أبلغ الجهات الأوروبية موقفاً مغايراً لذلك، من خلال نص صيغة ملتبسة تتيح اللعب عليها لتحقيق عودتهم، طبعاً بالتنسيق مع النظام السوري، بذريعة أن هناك «مناطق آمنة»، وهو ما ووجه باعتراض من الجهات الأوروبية، ما دفع الوزير باسيل إلى الطلب من موظف كبير في الخارجية الاتصال بسفيرة الاتحاد الأوروبي في لبنان كريستينا لاسن، لإبلاغها بوجهة نظره، وهو ما فاجأ السفيرة لاسن.
ويظهر ما يجري في ملف الكهرباء، ومحاولة الالتفاف على موقف الحكومة اللبنانية في ملف النازحين السوريين من قبل الوزير باسيل وفريقه الوزاري والسياسي، وعدم اتخاذ الرئيس الحريري موقفاً مما يجري على عكس موقفه من رسالة الرؤساء الخمسة إلى القمة العربية أن المصالح السياسية الخاصة هي العنوان الأبرز للعمل الحكومي، وأن أي اعتراض على هذه السياسة التي لن تؤدي إلى أي اصلاح أو تغيير مرفوض لأسباب مصلحية فقط لا غير دونما اعتبار لمصالح لبنان واللبنانيين. فهل بهذه الطريقة نعيد الأمن والاستقرار إلى لبنان.