وائل نجم

يوم الأربعاء (6/6/2018) انتهت المهلة القانونية المحدّدة لتقديم الطعون بالعملية الانتخابية التي جرت في السادس من أيار الماضي، وبنتائجها التي أُعلنت على الرغم مما شاب هذه العملية من مخالفات فاضحة وصريحة، سواء للقانون الإنتخابي، أو للعملية الانتخابية، أو لعملية فرز الأصوات. وقد ترك كل ذلك انطباعاً سلبياً على العملية، وأرخى بظلال كثيفة من الشك حول ما سيصدر عنها من مفاعيل إذا لم يُصر إلى تصحيح الخلل الواضح، من خلال المؤسسات الدستورية.
المجلس الدستوري الذي أُسند إليه دستورياً وقانونياً مهمة الفصل في الشكاوى التي ترد حول الانتخابات تلقّى عشرات الطعون من مرشحين ولوائح في مختلف الدوائر. وقد تضمّنت هذه الطعون مواد وأدلة وقرائن حسيّة على المخالفات التي جرت، بل ويذهب البعض إلى القول إن عمليات التزوير الواسعة التي حصلت إن بدّلت النتائج في الكثير من الدوائر، هذا فضلاً عن المخالفات والخروقات الواسعة للقانون الانتخابي.
السلطة السياسية المتمثلة بالحكومة أخذت قرارها ومضت قدماً في الخطوات التالية التي بنتها على نتائج الانتخابات دون الاكتراث بكل الحديث عن المخالفات والتزوير، واعتبرت أن المهمة المتعلقة بالفصل في مسألة المخالفات والتزوير ليست من اختصاصها، بل من اختصاص المجلس الدستوري، وبعد أن يضع المرشحون أو المتضررون أو اللوائح القرائن والأدلة الحسيّة بين يديه.
اليوم وبعد الطعون التي تقدّم بها مرشحون ولوائح وربما معنيون آخرون أمام المجلس الدستوري حول مجمل العملية الانتخابية، وحول نتائجها، باتت المسؤولية والكرة اليوم في ملعب المجلس الذي ينتظر منه اللبنانيون الفصل في هذه القضية وإنصاف المرشحين، والناخبين، والبلد بوجه عام.
لقد أثبت هذا المجلس في مرّات سابقة أنه صاحب قرار حرّ ولا يخضع لأية جهة سياسية أو غير سياسية، سواء كانت داخل السلطة أو خارجها، وقد أبطل المجلس على سبيل المثل لا الحصر، مؤخراً، العمل بالمادة 49 من قانون الموازنة العامة لعام 2018. وردّ المجلس في وقت سابق أيضاً قوانين كان لها علاقة بسلسلة الرتب والرواتب. وفي سنوات غابرة أبطل المجلس نيابة بعض الذين أُعلن فوزهم في بعض الدوائر، وطلب إعادة الانتخابات في تلك الدوائر، بعدما تثبّت من المخالفات أو ربما التزوير، أو ما يقدح بصحة إعلان فوز أولئك المرشحين في حينه. وقد كان لكل تلك القرارات التي اتخذها المجلس وقْع على المواطن اللبناني، إذ شعر بأنه على الرغم من الأجواء السلبية التي يعيشها على المستوى الإقتصادي حيث الأزمة في تفاقم مطّرد، أو على المستوى السياسي حيث المحاصصة الفاضحة في مسألة تأليف الحكومة، أو على المستوى الأمني والقضائي حيث يشعر الكثيرون بأن القانون لا يطبق على الجميع بعدالة، بل باستنسابية، لقد شعر المواطن على الرغم من كل هذه الأجواء بأن هناك مؤسسة في الدولة ما زالت تملك قرارها وبإمكانها أن تقول نعم أو كلا، وأن تنصف الناس، وتشكل بالنسبة إليهم الملاذ الذي يحتمون به في زمن التزوير والتجاوزات، وبذلك فإنه يقوم بدور كبير جداً في بناء الثقة بالدولة من جديد، وفي الرهان على المؤسسات وعلى منطق قوة القانون، وليس على منطق قانون القوة والبلطجة.
لا ندري، نحن المواطنين، طبيعة الطعون التي قُدّمت أمام المجلس الدستوري وما تضمّنته من قرائن وأدلة وبراهين على التجاوزات والخروقات والتزوير، فهي ملك أصحابها، وملك المجلس حصراً، إلا إذا قرر أصحابها نشرها في الإعلام بشكل كامل. ولكننا ندري وعلى يقين جداً أن المخالفات والخروقات يوم الانتخابات كانت بالعشرات، «وعلى المكشوف». ندرك ونعرف وندري أن عمليات الفرز شابها ما شابها من عمليات تزوير وشطب أسماء وتجيير أصوات، لأننا ببساطة كنا نحن ضحيتها، أيٌّ منّا كان يمكن أن يكون ضحية هذه العمليات، حتى أن بعض المرشحين وأقربائهم كانون ضحية عمليات تجيير الأصوات.  فهل ذلك يحتاج منّا لأنفسنا إلى إقناع أن عمليات الفرز شابها ما شابها من تزوير؟!
اليوم المجلس الدستوري أمام تحدّي بناء ثقة اللبنانيين بالدولة ومؤسساتها، أو هدم هذه الثقة و«الكفر» بالدولة وكل ما يتصل بها، لأنها ستكون في نظر الكثيرين عبارة عن شركة يتقاسمها أصحاب النفوذ والمافيات الذي قد يكونون مستعدين لتوزير الحاضر والماضي والمستقبل من أجل الإبقاء على هذه الشركة التي لا تنظر إلينا إلا على أننا عمّال فيها في زمن إقطاعية خبيثة ومقنّعة لا ترحم أحداً على الإطلاق.
المجلس الدستوري اليوم هو أمل اللبنانيين في بناء دولة المؤسسات، فهل ينجح في هذا الاختبار؟ أم ترى يعود ويخضع لمنطق قانون القوة الذي يتحكم به حيتان المال والسياسية في لبنان؟!}