وائل نجم

 ثلاثة أيام تفصل عن موعد الجلسة التشريعية المقررة يوم الخامس عشر من أيار الجاري، وهي الجلسة المؤجّلة من الثالث عشر من نيسان المنصرم بطلب من الرئيس نبيه بري بعد استخدام رئيس الجمهورية، ميشال عون، حقه الدستوري بتعليق عمل مجلس النواب لمدة شهر كامل تنتهي يوم الثالث عشر من أيار، وذلك على خلفية الانقسام حول قانون الانتخاب، وفي ضوء التصعيد الذي حصل يومها وهدّد بانفلات الأمور من عقالها وخروجها عن السيطرة، خاصة أن الجلسة كانت تشريعية ومخصصة لمناقشة وإقرار اقتراح قانون تقدّم به النائب نقولا فتوش، يقضي بتمديد ولاية المجلس النيابي الحالي مدة عام كامل.
لقد شكّلت خطوة تعليق عمل المجلس النيابي فرصة للقوى السياسية والحكومة والمجلس النيابي للتوصل إلى اتفاق على قانون انتخاب جديد، أو أقله على مبادئ عامة لقانون انتخاب، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحصل حتى لحظة كتابة هذه الكلمات. كل طرف لا يزال يتمسك بموقفه ولا يظهر المرونة الكاملة من أجل إنجاز هذا الاتفاق على القانون، وكل طرف يقدّم مصالحه الفئوية والحزبية والطائفية والخاصة على مصالح البلد، وكل طرف يستنسب القانون التي يوفّر له الفوز والربح ولو على حساب الوطن، ولذلك ظلّ المشهد معقّداً وصعباً ولم يشهد التقدّم المرجو للخروج من النفق المظلم. هل تستشعر القوى السياسية المسؤولية والخطر في الأيام الباقية؟ أم ترى تستمر في «غيّها» وفي فئويتها ولو كان ذلك سيؤدي إلى انهيار الهيكل على رؤوس الجميع؟
للأسف كان البعض في لبنان وما زال يراهن على متغيرات في المشهد الأقليمي، خاصة موضوع الصراع في سورية، ويربط أي حل في لبنان بما يمكن أن يتغيّر أو يتشكّل في سورية. لقد حاول البعض في لحظة من اللحظات أن يوظّف ما اعتبره انتصار ثورة الشعب السوري لإحداث تغيير في مشهد القوة والحضور في لبنان، إلا أن استمرار حالة النزف في المشهد السوري، وتمدد الأزمة زمانياً ومكانياً، وتداخل المصالح فيها إقليمياً ودولياً، حوّل سورية إلىمجرد مسرح وملعب للأطراف الدولية والأقليمية، وبالتالي أجهض فكرة انتصار الثورة بشكل مبكر، مع قناعتنا بأن ثورات الشعوب لا بدّ أن تنتصر، وهو ما جعل المراهنين في لبنان على هذا الخيار يتعاملون بشكل أكثر عقلانية وواقعية مع الأحداث والتطورات والاستحقاقات في لبنان، ولعلّ مشهد انفراج الأزمة الرئاسية أحد تجليات هذه الواقعية والعقلانية.
في مقابل ذلك ظنّ البعض الآخر في لبنان أن موازين القوى في سورية بعد التدخّل الاقليمي والدولي بدأت تميل إلى مصلحة محور آخر داعم للنظام السوري، فأراد أن يصرف فائض القوة «الموهومة» تلك في لبنان من خلال الحديث المتكرر عن «مؤتمر تأسيسي» تارة، وإحداث تعديلات وتغييرات في النظام السياسي تارة أخرى، كان يراد لها أن تعكس، بحسب وجهة نظر أصحابها، موازين القوة الجديدة المتولّدة من فوزه المتوهم للمحور الداعم للنظام، ولذلك استخدم أصحاب هذا التوجه كل إمكانات التأزيم والتعطيل في فترة من الفترات بهدف جرّ الطرف الآخر إلى مزيد من التنازلات التي تكرّس الهيمنة الحالية من خلال النص الدستوري، ولكن سرعان ما اكتشف هؤلاء أيضاً أن المسألة ليست بهذه البساطة، وأن كل ما اعتقدوه كان مجرد وهم وسراب، وقد جعلهم ذلك أيضاً يعيدون التفكير في المسألة بطريقة أكثر عقلانية وواقعية بحيث يتم حفظ الاستقرار والنظام حتى لا ينزلق البلد إلى المجهول.
اليوم هناك طرف ثالث يبدو أنه يريد أن يمارس اللعبة ذاتها، والتجربة نفسها. يريد أن يستغل ما يجري من تطورات في المشهد العام للمنطقة من أجل إحداث تغييرات أو تعديلات في المشهد السياسي اللبناني تعيد ما يعتبره صلاحيات ومكاسب كانت له في فترة من الفترات. أو ربما كان يريد أن يأخذ البلد إلى صيغة جديدة يظن أنها الأكثر طمأنة له ولمكوّنه من دون أن يدرك أن ذلك قد يحوّل ما يريده إلى غير النيّة والقصد الذي يتوخاه. هؤلاء يدخلون أنفسهم والبلد في دوّامة من الصعوبة أن توفّر لهم أو للبلد  الاستقرار والحقوق والمصالح. هؤلاء يجب أن يدركوا ضرورة التعامل بواقعية وعقلانية مع الأمور كي نوفّر على البلد مزيداً من الانهيار والفوضى.
قانون الانتخاب بقدر ما يشكّل عقبة في طريق استقرار البلد ونموّها وازدهارها، بقدْر ما يشكّل مدخلاً للحل والاستقرار والشعور بكل ما من شأنه أن يبدد هواجس الجميع. ولذلك ينبغي للقوى السياسية والكتل النيابية والحكومة والمجلس النيابي العمل انطلاقاً من الشعور بالمسؤولية ومن موقع عقلاني وواقعي لإقرار قانون في ربع الساعة الأخير يضع حدّاً لهذه الأزمة دون مراهنات على أي شيء سوى وحدة اللبنانيين وتعايشهم معاً.}