قاسم قصير

برزت خلال الاستشارات لتشكيل الحكومة الجديدة حدّة الخلافات بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، سواء حول حجم الحصص لكل فريق، أو على صعيد نوعيّة الوزارات التي يمكن توزيعها بينهما.
وقد اعتبرت القوات اللبنانية ان حصتها الحكومية يجب ان تصبح خمسة وزراء بعد ان كانت ثلاثة، وذلك بسبب مضاعفة عدد نوابها الى خمسة عشر بعد ان كانوا ثمانية، كذلك طالبت القوات بموقع نائب رئيس الحكومة وبحقيبة سيادية، وبالمقابل رفض التيار الوطني ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون مطالب القوات، وطالبا بحصة تصل الى أحد عشر وزيراً موزعين بين حصة الرئيس وحصة التيار، ومن أجل الضغط على الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر للحصول على حصة وزارية وازنة، عمدت القوات إلى الكشف عن مضمون التفاهم الذي جرى بينها وبين التيار قبل الانتخابات الرئاسية، الذي تضمن المناصفة في المقاعد الوزارية والتوظيفات.
فما أبعاد الخلاف بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية؟ وهل المشكلة في الحصص الحكومية، أم أن الصراع له أبعاد مستقبلية؟ وما علاقة الانتخابات الرئاسية في هذه المعركة؟
الأبعاد الحقيقية للخلاف
بداية، ما الأبعاد الحقيقية للخلاف حول الحصص الحكومية بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية؟ وهل الامر يتعلق بالحصص الحكومية أم حول قضايا أخرى؟
رغم وجود التفاهم السياسي بين التيار والقوات، الذي ساهم بوصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، فقد شهدنا بداية الصراعات بين الفريقين خلال إعداد قانون الانتخابات النيابية، ومن ثم اشتد هذا الصراع في المعركة الانتخابية.
ولقد سعى كل فريق للحصول على أكبر كتلة نيابية من أجل فرض دوره ووجوده السياسي والشعبي وتأكيدهما، وجاءت نتيجة الانتخابات فأعطت القوات خمسة عشر نائباً، وكان ذلك تطوراً مهماً في حجم القوات النيابي والسياسي والشعبي.
وبالمقابل، عمد التيار الوطني الحر الى ترشيح عدد كبير من الحلفاء والمناصرين، ونجح بتشكيل كتلة كبيرة ضمت 29 نائباً وسماها تكتل لبنان القوي، وهي لم تقتصر على الحزبيّين، بل ضمّت الحلفاء.
وأما القوات فسمّت كتلتها كتلة الجمهورية القوية، وبرز بوضوح التنافس بينهما، سياسياً وشعبياً واعلامياً، وهذا ما انعكس على صعيد المطالب الحكومية، فكل فريق طالب بعدد من الوزراء والحقائب ليثبت انه الأقوى مسيحياً ولبنانياً.
وتؤكد مصادر مطلعة على الوضع المسيحي أن الصراع بين الفريقين مرتبط بالمرحلة المقبلة، وخصوصاً معركة رئاسة الجمهورية، التي من المفترض ان تجري بعد اربع سنوات، لكن كل الاحتمالات واردة، ولذا يعمد كل من رئيس التيار الوطني الحر (الوزير جبران باسيل) ورئيس الهيئة التنفيذية الدكتور سمير جعجع إلى نسج أوسع علاقات داخلية وخارجية من أجل أن يكونا حاضرين بقوة في هذا الاستحقاق.
آفاق المستقبل
لكن كيف ستكون العلاقة بين الطرفين مستقبلاً؟ وهل يقتصر الصراع في الساحة المسيحية عليهما؟
المتابع للواقع المسيحي يدرك انه لا يمكن اقتصار الواقع المسيحي على التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، فهناك قوى وشخصيات أخرى فاعلة، ومنها تيار المردة وزعيمه الوزير السابق سليمان فرنجية، وحزب الكتائب برئاسة سامي الجميّل، وعدد كبير من الشخصيات المستقلة، التي انضمت حالياً إلى تكتل التغيير والاصلاح، ولكنها قد لا تستمر في هذا التحالف، إضافة إلى وجود شخصيات أخرى تتحالف مع قوى سياسية فاعلة من خارج الساحة المسيحية، كذلك فإن المعارك السياسية في لبنان لا يقررها المسيحيون فقط، بل هناك عوامل داخلية وخارجية عديدة مؤثرة في الواقع السياسي، سواء تشكيل الحكومة أو معركة رئاسة الجمهورية، أو تحديد موقع ودور لبنان المستقبلي.
أما عن آفاق المستقبل، فتجيب مصادر سياسية مطلعة بأن الخلافات على تشكيل الحكومة كشفت عن عمق المشاكل، سواء على الصعيد اللبناني عموماً، أو على الصعيد المسيحي، ولذا سنشهد في المرحلة المقبلة المزيد من الصراعات والخلافات، ولن تنتهي الأمور بتشكيل الحكومة، بل ستمتدّ إلى الخدمات  والوظائف والعلاقة مع القوى الخارجية، وتحديد الموقف مما يجري في المنطقة والصراعات القائمة بين مختلف المحاور.
ولذا إن الصراع في الساحة المسيحية هو أحد وجوه الصراع على مستقبل البلد ودوره ومستقبل النظام السياسي في لبنان، والأيام المقبلة ستحمل المزيد من المعطيات والمؤشرات حول طبيعة هذا الصراع وشكله.}
قاسم قصير