قاسم قصير

خلال الأسابيع الماضية وفي مواجهة الأزمة التي عاش فيها لبنان من جراء استقالة الرئيس سعد الحريري، برز الحجم الكبير للدعم الدولي والإقليمي للبنان، إن من أجل المساعدة في إنهاء الأزمة الحكومية، أو لجهة زيادة التقديمات والمساعدات للمؤسسات اللبنانية العسكرية، وفي مقدمها الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، أو من خلال الرعاية الفرنسية - المصرية الخاصة لرئيس  الحكومة سعد الحريري والمساعدة في إنهاء الأزمة الحكومية.
وجرى تتويج هذا الدعم من خلال اجتماع المجموعة الدولية الداعمة للبنان في باريس يوم الجمعة، وتضم هذه المجموعة الدول الأعضاء في مجلس الأمن (فرنسا، بريطانيا، أمريكا، روسيا، الصين)، بحضور وفد لبناني موسع برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري. 
كما أعلن الرئيس العماد ميشال عون خلال زيارته الأخيرة لإيطاليا تبني المسؤولين الايطاليين للدعوة لعقد مؤتمر خاص لدعم القوات المسلحة اللبنانية بالتنسيق مع دول أخرى شريكة.
وفي الوقت نفسه أشارت مصادر إعلامية لبنانية وعربية عن زيادة الدعم الأميركي والبريطاني للبنان، وخصوصاً للمؤسسات العسكرية والأمنية، فيما بذلت مصر والأردن ودول عربية وإسلامية أخرى جهوداً مكثفة لمعالجة الأزمة الحكومية الأخيرة وتقديم كل اشكال الدعم لرئيس الحكومة سعد الحريري.
فما هي الأسباب التي تقف وراء زيادة الدعم الدولي والإقليمي للبنان في كافة المجالات وخصوصاً على الصعيدين العسكري والأمني؟ وما هي الدلالات المستقبلية لهذا الدعم وهل هناك رؤية دولية - إقليمية حول دور لبنان المستقبلي؟
أسباب زيادة الدعم الدولي والإقليمي
بداية ما هي الأسباب التي تقف وراء زيادة الدعم الدولي والإقليمي للبنان، والتي برزت بقوة خلال الأزمة الأخيرة التي عاناها لبنان من جراء استقالة رئيس الحكومة. مصادر دبلوماسية وسياسية مطلعة في بيروت تعدد الأسباب الآتية لزيادة الدعم الدولي والأمني  للبنان:
أولاً: حرص القوى الدولية والإقليمية على حماية الاستقرار السياسي والأمني في لبنان وعدم نقل الصراعات الإقليمية الى الساحة اللبنانية، في ظل وجود نحو مليون ونصف مليون لاجئ سوري ومئتي وخمسين ألف لاجئ فلسطيني، وأي تدهور في الوضع الأمني قد يؤدي إلى هجرة هؤلاء الى دول أوروبية وعربية وإسلامية.
ثانياً: منع تدهور الصراع بين الكيان الصهيوني وحزب الله والسعي لإبقاء الحدود الجنوبية اللبنانية هادئة في هذه المرحلة بانتظار بلورة صورة الأوضاع في المنطقة.
ثالثاً: الدور اللبناني المتميز في مواجهة المجموعات الإرهابية وعدم السماح بعودة هذه المجموعات للتحرك في لبنان ومن خلاله الى مناطق أخرى، والإشادة المستمرة من قبل القوى الدولية والإقليمية بدور الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية في مواجهة اإرهاب.
رابعاً: التخوف الدولي والإقليمي من أن تؤدي زعزعة الاستقرار السياسي والأمني في لبنان الى زيادة دور إيران وحزب الله، وهذا يتنافى مع الرؤية السعودية التي تتبنى وجهة النظر القائلة بضرورة زيادة الضغوط على لبنان وحكومته من أجل تطويق حزب الله ومواجهة زيادة الدور الإيراني فيه.
خامساً: الاكتشافات النفطية والغازية من لبنان التي سيكون لها دور مهم في الوضع الاقتصادي مستقبلاً. انطلاقاً من كل هذه الأسباب، زادت القوى الدولية والإقليمية من دعمها للبنان وساعدت في تجاوز الأزمة التي عانى منها من جراء استقالة الرئيس سعد الحريري، وتتوقع بعض المصادر السياسية في بيروت زيادة هذا الدعم في المرحلة المقبلة لتحصين لبنان من تداعيات التطورات والمتغيرات في المنطقة.
الدلالات والأبعاد
لكن ما هي الدلالات والأبعاد المستقبلية للدعم الدولي والإقليمي للبنان؟ وعلى ماذا تراهن هذه الدول من جراء زيادتها للمساعدات العسكرية والأمنية للبنان؟
تشير المصادر الدبلوماسية والسياسية في بيروت إلى ان الدعم الدولي والإقليمي للبنان له أبعاد ودلالات عديدة، ومن أهمها: «الرهان على الدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية في المرحلة المقبلة ان لجهة الاستمرار في مواجهة الإرهاب والمجموعات الإرهابية أو حماية الحدود ومنع استمرار تدخل القوى اللبنانية (ولا سيما حزب الله) في أزمات المنطقة، خصوصاً بعد انتهاء الأزمة السورية وامكانية الوصول إلى حلول سياسية لها».
ورغم أن هذه المصادر «تستبعد امكانية حصول مواجهة مستقبلية بين الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية من جهة وبين حزب الله من جهة أخرى»، فإنها تشير إلى «ان الرهان الدولي والإقليمي على تحجيم دور الحزب العسكري والأمني مستقبلاً لا يمكن ان يتم إلا من خلال دعم القوى العسكرية والأمنية اللبنانية الرسمية والحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني، على أن يمهِّد ذلك مستقبلاً للبحث في دور الحزب الخارجي، واعادة الحزب الى الداخل اللبناني».
وتتابع المصادر: «إن من مصلحة القوى الدولية والإقليمية حماية الاستقرار السياسي والأمني في لبنان وذلك لتسهيل عمل الشركات النفطية والغازية التي ستبدأ العمل في المرحلة المقبلة، لأن الاكتشافات النفطية والغازية في لبنان قد تساهم في تسهيل وصول هذه المنتجات الى أوروبا نظراً لقرب لبنان من الساحل الأوروبي، ما يعزز التنافس في السوق النفطية مستقبلاً».
لكن هل يعني هذا أن الضغوط على لبنان ولا سيما من قبل السعودية أو الكيان الصهيوني وكذلك العقوبات المالية الأميركية ستتوقف؟ تجيب المصادر: ان هذا الدعم لن يوقف هذه الضغوط، والدليل على ذلك ما أعلنه مؤخراً وزير الخارجية السعودي حول دور المصارف اللبنانية في تبييض أموال لحزب الله (رغم نفي كل المؤسسات الاقتصادية والمالية والمصرفية لذلك)، كذلك استمرار الخروق الإسرائيلية للسيادة اللبنانية عبر تحليق الطيران الإسرائيلي المستمر والقيام بعمليات قصف لسوريا من الأجواء اللبنانية، كذلك تصعيد العقوبات الأميركية لحزب الله ومؤسساته والجهات الداعمة له.
اذن سيظل لبنان تحت الأجواء الضاغطة، لكن يبدو حتى الآن أن القرار الدولي - الإقليمي بدعم لبنان وحماية الاستقرار السياسي والأمني يتقدم على القرار بتفجير الوضع اللبناني، إلا إذا حصلت تطورات إقليمية كبيرة في المنطقة قد تؤدي الى انفجار شامل لا يستثني منه لبنان ومحيطه.}