وائل نجم - باحث وكاتب

أكثر من عامين ونصف مرّ على الفراغ في سدة الرئاسة الأولى من دون أن تتمكّن القوى السياسية والكتل النيابية من انتخاب رئيس للجمهورية، ولا يبدو في الأفق أن الموضوع في متناول اليد، كما يقال، فالحسابات السياسية والشخصية والطائفية والفئوية والإقليمية وغيرها أفشلت كل المساعي على الرغم من الدعوة إلى 45 جلسة انتخاب من دون اكتمال نصاب أي منها، حتى بدأ المرشحون لهذا الموقع بالانسحاب التدريجي من السباق الرئاسي، فكان أول المنسحبين بصورة غير رسمية ومعلنة، الرئيس السابق أمين الجميل، ثم تبعه بعد ذلك رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، ثم استقر الأمر بشكل فعلي وأساسي على مرشحين محسوبين على فريق 8 آذار، هما النائب سليمان فرنجية، الذي حظي منذ قرابة عام بتأييد رئيس تيار المستقبل، سعد الحريري، وكتلته، والجنرال ميشال عون، الذي حظي في المقابل بتأييد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وكتلته، بعدما آثر جعجع الانسحاب من السباق لمصلحة عون. وعليه فقد استقرت المعركة الرئاسية، إذا صحّ أن نسميها معركة، بين فرنجية وعون كمرشحين، وبين خليط من الكتل النيابية والسياسية التي تموضعت بشكل مغاير لما هو عليه الانقسام السياسي الذي حكم البلد طوال العقد الأخير تقريباً، حيث وقف إلى جانب فرنجية كل من الرئيس نبيه برّي، وكتلته النيابية، والنائب وليد جنبلاط، وكتلته النيابية، والرئيس سعد الحريري، وكتلته النيابية، فضلاً عن نواب آخرين، فيما وقف إلى جانب عون حزب الله وكتلته النيابية. والقوات اللبنانية، وكتلتها النيابية، وللمفارقة فإن حزب الله والقوات على طرفي نقيض في السياسة الداخلية، وفي النظرة إلى السياسة الخارجية. وهذا التموضع الحالي هو في الحقيقة التموضع المحسوب وفقاً للموقف الإعلامي والمعلن لكل من هذه الاطراف، إذ إن السبر في غور المواقف الحقيقية لهذه الاطراف قد يعطي نتائج مغايرة أو مختلفة لما هو عليه الموقف المعلن الذي لا نستطيع حتى الآن سوى التسليم بأنه هو الموقف الرسمي لهذه الاطراف. فما هي، بحسب القراءة العميقة، المواقف الحقيقة لهذه الاطراف خاصة بالنسبة إلى ترشيح الجنرال ميشال عون بعدما حرّك الرئيس سعد الحريري المياه الراكدة في مستنقع الرئاسة الأولى عندما صرّح بشكل غير مباشر بأنه مستعد للبحث في إعادة النظر بموقفه من ترشيح النائب فرنجية، إذا كان ذلك يسهم في إنهاء أزمة الشغور الرئاسي، ويخرج لبنان من دوّامة الفراغ والتعطيل؟
لنبدأ من كتلة المستقبل التي تعد أكبر كتلة نيباية في المجلس النيابي، حيث كان واضحاً أن المرشح الاساسي للمستقبل في المرحلة الأولى كان سمير جعجع، ثم بعد مضي قرابة عام ونصف على الفراغ، انتقلت كتلة المستقبل من ترشيح جعجع إلى ترشيح فرنجية، على أمل أن يشكل ذلك مدخلاً إلى الحل السياسي وعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة، إلا أن هذا الطرح لم يلقَ تجاوباً من تكتل التغيير والاصلاح، ولا من كتل أخرى، فانتهى مع استعداد الحريري لإعادة النظر بالموقف، وتالياً إمكانية القبول بترشيح عون للرئاسة إذا كان ذلك سيفتح الطريق أمامه إلى سدة الرئاسة الثالثة. وهنا اصطدم الحريري برفض غير قليل ضمن صفوف كتلته، حتى إن بعض النواب (أحمد فتفت) جاهر بأنه لن ينتخب عون لرئاسة الجمهورية حتى لو اتخذت الكتلة قراراً بذلك، فضلاً عن أن نواباً آخرين في الكتلة أسرّوا هذا الموقف لكثيرين، وربما يصل عدد هؤلاء داخل كتلة المستقبل إلى حدود 12 نائباً، أي بمعنى آخر تقريباً أقل من نصف عدد الكتلة بقليل، وهنا يمكن القول إن هؤلاء النواب قد عبّروا عن حقيقة الموقف الشعبي الذي يمثلونه والذي يرفض بشكل قاطع وصول الجنرال عون لرئاسة الجمهورية.
وإذا انتقلنا إلى حليف «المستقبل»، أي إلى القوات اللبنانية، وهي التي رشّحت عون بعد انسحاب رئيسها، سمير جعجع، من السباق، فإن حقيقة الموقف هو في رفض وصول عون إلى الرئاسة، لأن من شأن ذلك سحب الساحة المسيحية نحو تياره من ناحية، وإظهار طروحات هذا التيار على أنها الكفيلة بالحفاظ على حقوق المسيحيين في لبنان، وبالطبع في ذلك خسارة جسيمة للقوات، ولكن القوات راهنت على عدم وصول عون للرئاسة، وبالتالي تكون الوريثة الشرعية والحقيقية لقسم كبير من جمهوره المسيحي حال غيابه. 
في المقلب الأخر كان الرئيس نبيه بري صريحاً في الفترة الأخيرة في ما يتصل برفض وصول عون للرئاسة، ولعل موقف برّي هو الاكثر صراحة من بين أغلب القوى التي تؤثر كثيراً في مجرى الاستحقاق الرئاسي، وقد قطع برّي الطريق على عون من خلال اقتراح السلة الكاملة التي رفضها البطريرك الراعي، وبالتالي وضع أمام عون حاجزاً ليس بسيطاً في مقاربة الاستحقاق الرئاسي. 
وفي سياق موقف برّي يبرز موقف النائب وليد جنبلاط الذي لا يصارح عون بشكل علني كما فعل برّي، إلا أن حقيقة موقفه تبدو اضحة في رفض وصول عون للرئاسة. 
الأهم في مواقف هؤلاء جميعاً هو موقف الحليف الاستراتيجي لعون، أي حزب الله. الحزب يطلق المواقف العلنية كل يوم في تأييد عون لرئاسة الجمهورية، ولكن من خلال مراقبة الاحداث والتطورات والمقاربات يبدو واضحاً أن موقف الحزب الحقيقي هو في الابقاء على حالة الفراغ في البلد، نظراً إلى حجم الدور الذي يقوم به في القتال إلى جانب النظام السوري ضد ثورة الشعب السوري، فضلاً عن أن وصول اي رئيس إلى سدة الرئاسة الأولى، حتى لو كان عون، سيشكل مصدر إزعاج للحزب، وعلى وجه الخصوص أن القوات اللبنانية هذه المرّة هي شريكة عون في الساحة المسيحية من من ناحية، وغريمة حزب الله من ناحية أخرى، وقد رشّحت القوات عون لرئاسة الجمهورية بناءً على تفاهم معرب الذي تضمّن عشرة بنود سيكون عون ملزماً بها تجاه القوات وتجاه الساحة المسيحية عموماً، وعليه فإن موقف الحزب الحقيقي هو في عدم وصول عون إلى الرئاسة، والإبقاء على حالة الفراغ.  وهنا نلاحظ أن «التيار الوطني الحر» بدأ يكتشف، أو لنقل بدأ يتأكد أن موقف حلفائه الاساسي جميعهم هو برفض وصول عون للرئاسة، ولكن يبقى السؤال الذي يحتاج إلى إجابة التيار، كيف سيُتعامل مع هذا الاكتشاف أو اليقين الذي تأكد لديه عن حقيقة موقف حلفائه بعد هذا التحالف الذي جرّ في بعض الاحيان الويلات على لبنان؟!